البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ} (16)

وعلامات هي معالم الطرق ، وكل ما يستدل به السابلة من جبل وسهل وغير ذلك قاله الزمخشري ، وهو معنى قول ابن عباس .

وقال أبو عبد الله الرازي : ورأيت جماعة يتعرفون الطرقات بشم التراب .

وقال ابن عيسى : العلامة صورة يعلم بها ما يراد من خط أو لفظ أو إشارة أو هيئة .

وقال ابن عطية : وعلامات نصب كالمصدر أي : فعل هذه الأشياء لعلكم تعتبرون بها ، وعلامات أي : عبرة وإعلاماً في كل سلوك ، فقد يهتدي بالجبال وبالأنهار وبالسبل انتهى .

وقال ابن الكلبي : العلامات الجبال .

وقال النخعي ومجاهد : النجوم .

وأغرب ما فسرت به العلامات أنها حيتان طوال رقاق كالحيات في ألوانها وحركاتها تسمى بالعلامات ، وذلك في بحر الهند الذي يسار إليه من اليمن ، فإذا ظهرت كانت علامة للوصول لبلاد الهند وأمارة للنجاة .

وقرأ الجمهور : وبالنجم ، على أنه اسم جنس ، ويؤيد ذلك قراءة ابن وثاب : وبالنجم بضم النون والجيم ، وقراءة الحسن : بضم النون .

وفي اللوامح الحسن : النجم بضمتين ، وابن وثاب : بضمة واحدة ، وجاء كذلك عن ابن هشام الرفاعي ، ولا شك في أنه يذكره عن أصحاب عاصم انتهى .

وذلك جمع كسقف وسقف ، ورهن وترهن ، وجعله مما جمع على فعل أولى من حمله على أنه أراد النجوم ، فحذف الواو .

إلا أن ابن عصفور ذكر أن قولهم : النجم من ضرورة الشعر ، وأنشد :

إن الذي قضى بذا قاض حكم***أن يرد الماء إذا غاب النجم

قال : يريد النجوم .

مثل قوله :

حتى إذا ابتلت حلاقيم الحلق . . .

يريد : الحلوق .

والتسكين : قيل تخفيف ، وقيل : لغة .

وعن السدي : هو الثريا ، والفرقدان ، وبنات نعش ، والجدي .

وقال الفراء : المراد الجدي والفرقدان انتهى .

قيل : والجدي هو السابع من بنات نعش الصغرى ، والفرقدان الأولان منها ، وليس بالجدي الذي هو المنزلة ، وبعضهم يصغره فيقول : جدي .

وفي الحديث عن ابن عباس أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن قوله : وبالنجم ، فقال : «هو الجدي » ولو صح هذا لم يعدل أحد عنه .

وقال ابن عباس : عليه قبلتكم ، وبه تهتدون في بركم وبحركم .

وقيل : هو القطب الذي لا يجري .

وقيل : هو الثريا .

وقال الشاعر :

إذا طلب الجوزاء والنجم طالع ***فكل مخاضات الفرات معابر

وقال آخر :

حتى إذا ما استقل النجم في غلس***وغودر البقل ملوى ومحصود

أي ومنه ملوى ، ومنه محصود ، وذلك إنما يكون عند طلوع الثريا .

وهم : ضمير غيبة خرج من الخطاب إلى الغيبة ، كان الضمير النعت به إلى قريش إذ كان لهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم ، وكان لهم بذلك علم لم يكن لغيرهم ، فكان الشكر أوجب عليهم والاعتبار ألزم لهم .

وقدم المجرور على ما يتعلق به اعتناء ولأجل الفاصلة .

والزمخشري على عادته كأنه قيل : وبالنجم خصوصاً هم يهتدون .