اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ} (16)

وقوله : { وَعَلامَاتٍ } أي : وضع فيها علاماتٍ .

قوله : " وبِالنَّجْمِ " متعلق ب " يَهْتَدُون " والعامة على فتح النون ، وسكون الجيم ، بالتوحيد ، فقيل : المراد به : كوكب بعينه وهو الجَدْي أو الثُّريَّا .

وقيل : بل هو اسم جنس ، وقرأ{[19751]} ابنُ وثَّاب : بضمهما ، والحسن : بضمِّ النون فقط ، وعكس بعضهم النقل عنهما .

فأمَّا قراءة الضمتين ، ففيها تخريجان :

أظهرهما : أنه جمع صريح ؛ لأنَّ فعلاء يجمع على فعل ؛ نحو : " سَقْفٌ وسُقُف ، وزَهْر وزُهُر " .

والثاني : أنَّ أصله النجوم ، وفعل يجمع على فعول ؛ نحو : فَلْس وفُلُوس ، ثم خفِّف بحذف الواو ، كما قالوا : أسُد وأسُود وأسْد .

قال أبو البقاء ؛{[19752]} " وقالوا في " خِيَام : خُيُم " يعني أنَّه نظيرهُ من حيث حذفوا فيه حرف المدِّ .

وقال ابن عصفورٍ : " إنَّ قولهم : " النُّجُم " من ضرورات الشِّعر " وأنشد : [ الرجز ]

3306-إنَّ الذي قَضَى بِذَا قاضٍ حَكمْ *** أن تَرِدَ الماءَ إذَا غَابَ النُّجُمْ{[19753]}

يريد النجوم . كقوله : [ الرجز ]

3307- حَتَّى إذَا بُلَّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ{[19754]} *** يريد الحُلُوق .

وأمَّا قراءة الضمِّ ، والسكون ، ففيها وجهان :

أحدهما : أنها تخفيف من الضمِّ .

والثاني : أنها لغة مستقلة . وتقديم كلِّ من الجارِّ ، والمبتدأ ، يفيد الاختصاص ، قال الزمخشريُّ - رحمه الله- : " فإن قلت : قوله تعالى : { وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ } مخرج عن سنن الخطاب مقدم فيه " النجم " مقحم فيه " هُمْ " كأنه قيل : وبالنجم خصوصاً هؤلاء خصوصاً ، فمن المراد بهم ؟ .

قلت : كأنه أراد قريشاً كان لهم اهتداءٌ بالنجوم في مسائرهم ، وكان لهم به علمٌ لم يكن لغيرهم ؛ فكان الشكر عليهم أوجب ، ولهم ألزم " .

وقال بعض المفسرين : قوله تعالى : { وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ } مختصٌّ بسفرِ البحر ؛ لأنه تعالى لما ذكر صفة البحر ، ومنافعه ، بيَّن أنَّ من يسير فيه يهتدون بالنجم .

وقال بعضهم : هو مطلقٌ في سفر البحر والبرِّ .

فصل في المراد بالعلامات

المراد بالعلاماتِ : معالمُ الطريق ، وهي الأشياء التي يهتدى بها ، وهذه العلامات هي الجبالُ والرياحُ .

قال ابنُ الخطيب{[19755]} : " ورأيتُ جماعة يشمُّون التراب ؛ فيعرفون الطرقان بشمِّه " .

قال الأخفش - رحمه الله- : تم الكلام عند قوله : " وعَلامَاتٍ " ثم ابتدأ : { وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ } .

وقال محمد بن كعبٍ القرظيِّ ، والكلبيُّ - رحمهما الله- : الجبالُ علاماتُ النَّهار ، والنجوم علامات الليل{[19756]} .

قال السديُّ : أراد بالنجم : الثُّريَّا ، وبنات نعش ، والفرقدين ، والجدي ، يهتدى بها إلى الطرق ، والقبلة{[19757]} .

قال القرطبيُّ : سأل ابنُ عباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم - عن النَّجم ؛ فقال - صلوات الله وسلامه عليه- :

" هُوَ الجَديُ عليْهِ قِبْلتكُمْ وبِهِ تَهْتَدونَ في بَرِّكُمْ وبَحْرِكُمْ {[19758]} " ، وذلك أنَّ آخر الجدي بناتُ نعشٍ الصغرى ، والقطب الذي تستوي عليه القبلة بينهما .


[19751]:ينظر: المحتسب 812، والإتحاف 2/182، والبحر 5/466، والشواذ 72، والدر المصون 4/318.
[19752]:ينظر: الإملاء 2/79.
[19753]:البيت للاخطل. ينظر: ديوانه (251)، المنصف 1/348، الخصائص 3/134، المحتسب 1/199، 2/8، سر صناعة الإعراب 10/348، اللسان (نجم) ، البحر المحيط 5/467، الألوسي 14/117 القرطبي 10/61، الدر المصون 4/318.
[19754]:البيت لرؤبة. ينظر: الخصائص 1/348، المنصف 1/348، البحر 5/467، معاني القرآن 3/32، العمدة 2/274، الألوسي 14/117، سر صناعة الإعراب 2/632، اللسان (حلق)، البحر 467، المذكر والمؤنث للأنباري 262، ضرائر الشعر 129، الدر المصون 4/318.
[19755]:ينظر: الفخر الرازي 20/9.
[19756]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/572) عن الكلبي وذكره البغوي في "تفسيره" (3/64) عن محمد بن كعب القرظي والسدي. وذكره أيضا السيوطي في "الدر المنثور" (4/212) عن الكلبي وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر.
[19757]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/64).
[19758]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (3/183) عن ابن عباس.