تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَدَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يُضِلُّونَكُمۡ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (69)

قال تعالى { وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }

يحذر تعالى عباده المؤمنين عن مكر هذه الطائفة الخبيثة من أهل الكتاب ، وأنهم يودون أن يضلوكم . ومن المعلوم أن من ود شيئا سعى بجهده على تحصيل مراده ، فهذه الطائفة تسعى وتبذل جهدها في رد المؤمنين وإدخال الشبه عليهم بكل طريق يقدرون عليه ، ولكن من لطف الله أنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فلهذا قال تعالى { وما يضلون إلا أنفسهم } فسعيهم في إضلال المؤمنين زيادة في ضلال أنفسهم وزيادة عذاب لهم ، قال تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } { وما يشعرون } بذلك أنهم يسعون في ضرر أنفسهم وأنهم لا يضرونكم شيئا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَدَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يُضِلُّونَكُمۡ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (69)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَدّت طّآئِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلّونَكُمْ وَمَا يُضِلّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { وَدّتْ } : تمنت { طائِفَةٌ } يعني جماعة { مِنْ أهْلِ الكِتابِ } وهم أهل التوراة من اليهود ، وأهل الإنجيل من النصارى { لَوْ يُضِلّونَكُمْ } يقول : لو يصدّونكم أيها المؤمنون عن الإسلام ، ويردّونكم عنه إلى ما هم عليه من الكفر ، فيهلكونكم بذلك . والإضلال في هذا الموضع : الإهلاك من قول الله عزّ وجلّ : { وَقَالُوا أئِذَا ضَلَلْنا فِي الأرْضِ أئِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } يعني : إذا هلكنا . ومنه قول الأخطل في هجاء جرير :

كُنْتَ القَذَى فِي مَوْجٍ أكْدَرَ مُزْبِدٍ قَذَفَ الأتِيّ بِهِ فَضَلّ ضَلالا

يعني : هلك هلاكا ، وقول نابغة بني ذبيان :

فآبَ مُضِلّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيّةٍ *** وغُودِرَ بالجَوْلانِ حَزْمٌ وَنائِلُ

يعني مهلكوه .

{ وَما يُضِلّونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ } : وما يهلكون بما يفعلونه من محاولتهم صدّكم عن دينكم أحدا غير أنفسهم ، يعني بأنفسهم : أتباعهم وأشياعهم على ملتهم وأديانهم ، وإنما أهلكوا أنفسهم وأتباعهم بما حاولوا من ذلك لاستيجابهم من الله بفعلهم ذلك سخطه ، واستحقاقهم به غضبه ولعنته ، لكفرهم بالله ، ونقضهم الميثاق الذي أخذ الله عليهم في كتابهم في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه ، والإقرار بنبوّته . ثم أخبر جلّ ثناءه عنهم أنهم يفعلون ما يفعلون ، من محاولة صدّ المؤمنين عن الهدى إلى الضلالة ، والردى على جهل منهم ، بما الله بهم محلّ من عقوبته ، ومدّخر لهم من أليم عذابه ، فقال تعالى ذكره : { وَما يَشْعُرُونَ } أنهم لا يضلون إلا أنفسهم بمحاولتهم إضلالكم أيها المؤمنون¹ ومعنى قوله : { وَما يَشْعُرُونَ } : وما يدرون ولا يعلمون ، وقد بينا تأويل ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فأغنى ذلك عن إعادته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَدَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يُضِلُّونَكُمۡ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (69)

أخبر الله تعالى عن طائفة أنها تود وتشتهي أن تضل المسلمين ، أي تتلفهم عن دينهم وتجعلهم في ضلال ثم فسر الطائفة بقوله : { من أهل الكتاب } فتحتمل { من } أن تكون للتبعيض ، وتكون الطائفة الرؤساء والأحبار الذين يسكن الناس إلى قولهم ، ويحتمل أن تكون لبيان الجنس وتكون الطائفة جميع أهل الكتاب ، وقال الطبري : { يضلونكم } معناه يهلكونكم ، واستشهد ببيت جرير{[3236]} .

كنْتَ القَذَى في موج أَخْضَرَ مُزْبدٍ . . . قذف الأتيُّ بِهِ فَضَلَّ ضلالا

وقول النابغة{[3237]} : [ الطويل ]

فآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ . . . وهذا تفسير غير خاص باللفظة وإنما اطرد له هذا الضلال في الآية وفي البيتين اقترن به هلاك ، وأما أن تفسر لفظة الضلال بالهلاك فغير قويم{[3238]} ، قوله تعالى : { وما يضلون إلا أنفسهم } إعلام بأن سوء فعلهم عائد عليهم ، وأنهم ببعدهم عن الإسلام هم الضالون ، ثم أعلم أنهم لا يشعرون لذلك ، أي لا يتفطنون ، مأخوذ من الشعار المأخوذ من الشعر ، وقيل المعنى لا يشعرون أنهم لا يصلون إلى إضلالكم .


[3236]:- البيت للأخطل يهجو به جريرا. والقذى: ما يعلو الماء من الزبد والغثاء، والأتي: السيل يأتي من بلد بعيد. وقد وردت رواية أخرى للبيت وهي: كنت القذى في موج أكدر مزبد ... (البيت).
[3237]:- البيت للنابغة الذبياني يرثي النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني، وتمامه: .................... وغودر بالجولان حزم ونائل. والأصح "مصلوه" بالصاد المهملة.
[3238]:- ذكر أبو حيان في البحر المحيط أن غير ابن عطية قال: "أضل الضلال في اللغة: الهلاك من قولهم: ضل اللبن في الماء إذا صار مستهلكا فيه- وقيل. معناه: يوقعونكم في الضلال، ويلقون إليكم ما يشككونكم به في دينكم. قال أبو علي".