{ 51 - 53 ْ } { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا *وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا }
أي : واذكر في هذا القرآن العظيم موسى بن عمران ، على وجه التبجيل له والتعظيم ، والتعريف بمقامه الكريم ، وأخلاقه الكاملة ، { إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا } قرئ بفتح اللام ، على معنى أن الله تعالى اختاره واستخلصه ، واصطفاه على العالمين . وقرئ بكسرها ، على معنى أنه كان مخلص لله تعالى ، في جميع أعماله ، وأقواله ، ونياته ، فوصفه الإخلاص في جميع أحواله ، والمعنيان متلازمان ، فإن الله أخلصه لإخلاصه ، وإخلاصه ، موجب لاستخلاصه ، وأجل حالة يوصف بها العبد ، الإخلاص منه ، والاستخلاص من ربه . { وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } أي : جمع الله له بين الرسالة والنبوة ، فالرسالة تقتضي تبليغ كلام المرسل ، وتبليغ جميع ما جاء به من الشرع ، دقه وجله . والنبوة تقتضي إيحاء الله إليه وتخصيصه بإنزال الوحي إليه ، فالنبوة بينه وبين ربه ، والرسالة بينه وبين الخلق ، بل خصه الله من أنواع الوحي ، بأجل أنواعه وأفضلها ، وهو : تكليمه تعالى وتقريبه مناجيا لله تعالى ، وبهذا اختص من بين الأنبياء ، بأنه كليم الرحمن ، ولهذا قال : { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ }
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد في كتابنا الذي أنزلناه إليك موسى بن عمران ، واقصص على قومك أنه كان مخلصا .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : «إنّهُ كانَ مُخْلِصا » بكسر اللام من المُخْلِص ، بمعنى : إنه كان يخلص لله العبادة ، ويفرده بالألوهة ، من غير أن يجعل له فيها شريكا . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة خلا عاصم : إنّهُ كانَ مُخْلَصا بفتح اللام من مُخْلَص ، بمعنى : إن موسى كان الله قد أخلصه واصطفاه لرسالته ، وجعله نبيا مرسلاً .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي : أنه كان صلى الله عليه وسلم مُخْلِصا عبادة الله ، مُخْلَصا للرسالة والنبوّة ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب .
وكانَ رَسُولاً يقول : وكان لله رسولاً إلى قومه بني إسرائيل ، ومن أرسله إليه نبيا .
أفضت مناسبة ذكر إبراهيم ويعقوب إلى أن يذكر موسى في هذا الموضع لأنه أشرف نبي من ذرية إسحاق ويعقوب .
والقول في جملة { واذكر } وجملة { إنه كان } كالقول في نظيريهما في ذكر إبراهيم عدا أن الجملة هنا غير معترضة بل مجرد استئناف .
وقرأ الجمهور مخلصاً بكسر اللام من أخلص القاصر إذا كان الإخلاص صفته . والإخلاص في أمر ما : الإتيانُ به غير مشوب بتقصير ولا تفريط ولا هوادة ، مشتق من الخلوص ، وهو التمحض وعدم الخلط . والمراد هنا : الإخلاص فيما هو شأنه ، وهو الرسالة بقرينة المقام .
وقرأه حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف بفتح اللام من أخلصه ، إذا اصطفاه .
وخُص موسى بعنوان ( المخلص ) على الوجهين لأن ذلك مزيته ، فإنه أخلص في الدعوة إلى الله فاستخف بأعظم جبار وهو فرعون ، وجادله مجادلة الأكفاء ، كما حكى الله عنه في قوله تعالى في سورة الشعراء ( 18 ، 19 ) : { قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } إلى قوله : قال أولو جئتك بشيء مبين . وكذلك ما حكاه الله عنه بقوله : { قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين } [ القصص : 17 ] ، فكان الإخلاص في أداء أمانة الله تعالى ميزته . ولأن الله اصطفاه لكلامه مباشرة قبل أن يرسل إليه المَلك بالوحي ، فكان مخلَصاً بذلك ، أي مصطفى ، لأن ذلك مزيته قال تعالى { واصطنعتك لنفسي } [ طه : 41 ] .
والجمع بين وصف موسى لأنه رسول ونبيء . وعطف { نبيئاً } على { رسولاً } مع أن الرسول بالمعنى الشرعي أخص من النبي ، فلأن الرسول هو المرسلَ بوحي من الله ليبلغ إلى الناس فلا يكون الرسول إلا نبيئاً ، وأما النبي فهو المنبّأ بوحي من الله وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإذا لم يؤمر بالتبليغ فهو نبيء وليس رسولاً ، فالجمع بينهما هنا لتأكيد الوصف ، إشارة إلى أن رسالته بلغت مبلغاً قوياً ، فقوله نبيئاً تأكيد لوصف رسولاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.