تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّهَا تَرۡمِي بِشَرَرٖ كَٱلۡقَصۡرِ} (32)

{ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ } وهي السود التي تضرب إلى لون فيه صفرة ، وهذا يدل على أن النار مظلمة ، لهبها وجمرها وشررها ، وأنها سوداء ، كريهة المرأى{[1327]} ، شديدة الحرارة ، نسأل الله العافية منها [ من الأعمال المقربة منها ] .


[1327]:- في ب: كريهة المنظر.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّهَا تَرۡمِي بِشَرَرٖ كَٱلۡقَصۡرِ} (32)

وقوله : إنّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقَصْرِ يقول تعالى ذكره : إن جهنم ترمي بشرر كالقصر ، فقرأ ذلك قرّاء الأمصار : كالْقَصْرِ بجزم الصاد .

واختلف الذين قرأوا ذلك كذلك في معناه ، فقال بعضهم : هو واحد القصور . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ يقول : كالقصر العظيم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : ذكر القصر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يزيد بن يونس ، عن أبي صخر في قول الله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : كان القرظي يقول : إن على جهنم سورا ، فما خرج من وراء السور مما يرجع فيها في عظم القصر ، ولون القار .

وقال آخرون : بل هو الغليظ من الخشب ، كأصول النخل وما أشبه ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس ، قال : سألت ابن عباس عن قوله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : القصر : خشب كنا ندّخره للشتاء ثلاث أذرع ، وفوق ذلك ، ودون ذلك كنا نسميه القصر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت عبد الرحمن بن عابس ، قال : سمعت ابن عباس يقول في قوله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : القصر : خشب كان يُقْطع في الجاهلية ذراعا وأقلّ أو أكثر ، يُعْمَد به .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس ، قال : سمعت ابن عباس يقول في قوله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : كنا في الجاهلية نقصر ذراعين أو ثلاث أذرع ، وفوق ذلك ودون ذلك نسميه القصر .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله إنّها تَرْمي بشَرَرٍ كالْقَصْرِ فالقصر : الشجر المقطع ، ويقال : القصر : النخل المقطوع .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى : وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : كالْقَصْرِ قال : حزم الشجر ، يعني الحزمة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس في هذه الاَية إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : مثل قَصْر النخلة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ أصول الشجر ، وأصول النخل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ قال : كأصل الشجر .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ القصر : أصول الشجر العظام ، كأنها أجواز الإبل الصفر وسط كل شيء جوزُه ، وهي الأجواز .

حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : قرأها الحسن : كالْقَصْرِ وقال : هو الجزل من الخشب قال : واحدته : قصرة وقصر ، مثله : جمرة وجمر ، وتمرة وتمر .

وذُكر عن ابن عباس أنه قرأ ذلك : «كالْقَصَرِ » بتحريك الصاد .

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : أخبرني حسين المعلم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس أنه قرأها : «كالقَصَرِ » بفتح القاف والصاد .

قال : وقال هارون : أخبرني أبو عمرو أن ابن عباس قرأها : «كالْقَصَرِ » وقال : قصر النخل ، يعني الأعناق .

وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، وهو سكون الصاد ، وأولى التأويلات به أنه القصر من القصور ، وذلك لدلالة قوله : كأنهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ على صحته ، والعرب تشبه الإبل بالقصور المبنية ، كما قال الأخطل في صفة ناقة :

كأنها بُرْجُ رُوميَ يُشَيّدُه *** لُزّ بِجصّ وآجُرَ وأحْجارِ

وقيل : بِشَرَرٍ كالقَصْرِ ولم يقل كالقصور ، والشررِ : جماع ، كما قيل : سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ ولم يقل الأدبار ، لأن الدبر بمعنى الأدبار ، وفعل ذلك توفيقا بين رؤوس الاَيات ومقاطع الكلام ، لأن العرب تفعل ذلك كذلك ، وبلسانها نزل القرآن . وقيل : كالقصر ، ومعنى الكلام : كعظم القصر ، كما قيل : تَدوُر أعُيُنهم كالذي يُغْشَى عليه مِنَ الموتِ ولم يقل : كعيون الذي يغشى عليه ، لأن المراد في التشبيه الفعل لا العين .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عطاء بن السائب ، أنه سأل الأسود عن هذه الاَية : تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ فقال : مثل القصر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّهَا تَرۡمِي بِشَرَرٖ كَٱلۡقَصۡرِ} (32)

إنها ترمي بشرر كالقصر أي كل شرارة كالقصر في عظمها ويؤيده أنه قرىء بشرار وقيل هو جمع قصرة وهي الشجرة الغليظة وقريء كالقصر بمعنى القصور كرهن ورهن وكالقصر جمع قصرة كحاجة وحوج وكالقصر جمع قصرة وهي أصل العنق والهاء للشعب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّهَا تَرۡمِي بِشَرَرٖ كَٱلۡقَصۡرِ} (32)

والضمير في { إنها } لجهنم وقرأ عيسى بن عمر «بشرار » بألف جمع شرارة وهي لغة تميم ، و «القصر » في قول ابن عباس وجماعة من المفسرين اسم نوع القصور وهو إلا دوراً لكبار مشيدة ، وقد شبهت العرب بها النوق ومن المعنى قول الأخطل : [ البسيط ]

كأنها برج رومي يشيده*** لز بجص وآجر وجيار{[11551]}

وقال ابن عباس أيضاً : «القصر » : خشب كان في الجاهلية يقطع من جزل الحطب من النخل وغيره على قدر الذراع وفوقه ودونه يستعد به للشتاء يسمى «القَصَر » واحده قصرة{[11552]} وهو المراد في الآية ، وإنما سمي القَصَّار لأنه يخبط بالقصرة ، وقال مجاهد : «القصر » حزم الحطب . وهذه قراءة الجمهور ، وقرأ ابن عباس القَصَّار لأنه يخبط بالقصرة ، وقال مجاهد : «القصر » حزم الحطب . وهذه قراءة الجمهور ، وقرأ ابن عباس وابن جبير «القَصَر » جمع قصرة وهي أعناق النخل والإبل وكذلك أيضاً هي في الناس{[11553]} ، وقال ابن عباس جذور النخل ، وقرأ ابن جبير أيضاً والحسن : «كالقِصَر » بسكر القاف وفتح الصاد ، وهي جمع قصرة كحلقة وحلق من الحديد .


[11551]:هذا البيت من قصيدة طويلة قالها أبو أمامة غياث بن غوث التغلبي المعروف بالأخطل، ومطلعها: (تغير رسم الدار من سلمى بأحفار)، وهو في وصف الناقة، وقد استشهد به المؤلف هنا على أن العرب قد تشبه النوق في ضخامتها بالقصور أو بالدور الكبيرة، والبرج: البناء العالي أو الحصن، ولز الشيء بالشيء: شد وألصق، والجص: من مواد البناء، والآجر اللبن المحرق المعد للبناء والقصيدة في الديوان وفي جمهرة أشعار العرب.
[11552]:على وزن تمرة وتمر.
[11553]:جاء في اللسان: "والقصرة بالتحريك: أصل العنق، قال اللحياني: إنما يقال لأصل العنق قصرة إذا غلظت، والجمع قصر.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّهَا تَرۡمِي بِشَرَرٖ كَٱلۡقَصۡرِ} (32)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ذكر الظل فقال: {إنها ترمي بشرر كالقصر} وهو أصول الشجر يكون في البرية، فإذا جاء الشتاء قطعت أغصانها فتبقى أصولها، فيحرقها البرد فتسود فتراها في البرية كأمثال الجمال إذا أنيخ في البرية، فذلك قوله: {إنها ترمي بشرر كالقصر}

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

قال مالك عن زيد بن أسلم: يعني أصول الشجر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

إن جهنم ترمي بشرر كالقصر، فقرأ ذلك قرّاء الأمصار:"كالْقَصْرِ "بجزم الصاد. واختلف الذين قرأوا ذلك كذلك في معناه، فقال بعضهم: هو واحد القصور.

وقال آخرون: بل هو الغليظ من الخشب، كأصول النخل وما أشبه ذلك...

وأولى التأويلات به أنه القصر من القصور، وذلك لدلالة قوله: كأنهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ على صحته، والعرب تشبه الإبل بالقصور المبنية...

وقيل: كالقصر، ومعنى الكلام: كعظم القصر...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

فيه إخبار عن عظم شررها وقدرها خلافا لما عليه الشرر في الدنيا، لا يأخذ مكانا بل يتبين ثم ينطفئ، ثم جائز أن يكون بعض شررها في العظم كالخيام وبعضها كالقصور وبعضها كأصول الأشجار.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{إنها ترمي بشرر} قال الواحدي: يقال شررة وشرر وشرارة وشرار، وهو ما تطاير من النار متبددا في كل جهة، وأصله من شررت الثوب إذا أظهرته وبسطته للشمس، والشرار ينبسط متبددا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما بين أن هذا الظل زيادة في العذاب، وكان من المعلوم أنه لا يكون دخان إلا من نار، قال مبيناً أنه لو كان هناك ظل ما أغنى: {إنها} أي النار التي دل عليها السياق {ترمي} أي من شدة الاستعار.

{بشرر} وهو ما تطاير من النار إذا التهبت، واحدتها شرارة وهي صواعق تلك الدار.

{كالقصر} أي كل شرارة منها كأنها قصر مشيد من عظمها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

انطلقوا، وإنكم لتعرفون إلى أين! وتعرفونها هذه التي تنطلقون إليها. فلا حاجة إلى ذكر اسمها.. هذا هو الشرر فكيف بالنار التي ينطلق منها الشرر؟!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

يجوز أن يكون هذا من تمام ما يقال للمكذبين الذين قيل لهم: {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} [المرسلات: 29]، فإنهم بعد أن حصل لهم اليأس مما ينفِّس عنهم ما يَلقون من العذاب، وقيل لهم: انطلقوا إلى دخان جهنم ربما شاهدوا ساعتئذٍ جهنم تقذف بشررها فيروعهم المنظر، أو يشاهدونها عن بعد لا تتضح منه الأشياء وتظهر عليهم مخائل توقعهم أنهم بالغون إليه فيزدادون روعاً وتهويلاً، فيقال لهم: إن جهنم {ترمي بشرر كالقصر كأنه جِمَالات صفر}.

ويجوز أن يكون اعتراضاً في أثناء حكاية حالهم، أو في ختام حكاية حالهم.

فضمير {إنها} عائد إلى جهنم التي دل عليها قوله: {ما كنتم به تكذبون}

وإجراء تلك الأوصاف في الإِخبار عنها لزيادة الترويع والتهويل، فإن كانوا يرون ذلك الشرر لقربهم منه فوصفه لهم لتأكيد الترويع والتهويل بتظاهر السمع مع الرؤية. وإن كانوا على بعد منه فالوصف للكشف عن حاله الفظيعة.

وتأكيد الخبر ب (إنَّ) للاهتمام به لأنهم حِينئذٍ لا يشكون في ذلك سواء رأوه أو أخبروا به.

والشرر: اسم جمع شَرَرَة: وهي القطعة المشتعلة من دقيق الحطب يدفعها لهب النار في الهواء من شدة التهاب النار.

والقَصر: البناء العالي. والتعريف فيه للجنس، أي كالقصور لأنه شبه به جمع، وهذا التعريف مثل تعريف الكتاب في قوله تعالى: {وأنزلنا معهم الكتاب} [الحديد: 25]، أي الكُتب.

وعن ابن عباس: الكِتاب أكثرُ من الكُتُب، أي كل شررة كقصر، وهذا تشبيه في عظم حجمه.