تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (42)

ولما بين نهاية ضعف آلهة المشركين ، ارتقى من هذا إلى ما هو أبلغ منه ، وأنها ليست بشيء ، بل هي مجرد أسماء سموها ، وظنون اعتقدوها ، وعند التحقيق ، يتبين للعاقل بطلانها وعدمها ، ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ } أي : إنه تعالى يعلم -وهو عالم الغيب والشهادة- أنهم ما يدعون من دون اللّه شيئا موجودا ، ولا إلها له حقيقة ، كقوله تعالى : { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } وقوله : { وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وإن هم إلا يخرصون }

{ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم } الذي له القوة جميعا ، التي قهر بها جميع المخلوقات ، { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها ، الذي أحسن كل شيء خلقه ، وأتقن ما أمره .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (42)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاّ الْعَالِمُونَ } .

اختلف القرّاء في قراءة قوله : إنّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يدْعُونَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار «تَدْعُونَ » بالتاء بمعنى الخطاب لمشركي قريش إنّ اللّهَ أيها الناس «يَعْلَمُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ » . وقرأ ذلك أبو عمرو : إنّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ بالياء بمعنى الخبر عن الأمم ، إن الله يعلم ما يدعو هؤلاء الذين أهلكناهم من الأمم من دونه من شيء .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأ بالتاء ، لأن ذلك لو كان خبرا عن الأمم الذين ذكر الله أنه أهلكهم ، لكان الكلام : إن الله يعلم ما كانوا يدعون ، لأن القوم في حال نزول هذا الخبر على نبيّ الله لم يكونوا موجودين ، إذ كانوا قد هلكوا فبادوا ، وإنما يقال : إن الله يعلم ما تدعون إذا أريد به الخبر عن موجودين ، لا عمن قد هلك .

فتأويل الكلام إذ كان الأمر كما وصفنا : إن الله يعلم أيها القوم حال ما تعبدون من دونه من شيء ، وأن ذلك لا ينفعكم ولا يضرّكم ، إن أراد الله بكم سوءا ، ولا يغني عنكم شيئا وإن مثله في قلة غنائه عنكم ، مَثَلُ بيت العنكبوت في غنَائه عنها .

وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول : والله العزيز في انتقامه ممن كفر به ، وأشرك في عبادته معه غيره فاتقوا أيها المشركون به عقابه بالإيمان به قبل نزوله بكم ، كما نزل بالأمم الذين قصّ الله قصصهم في هذه السورة عليكم ، فإنه إن نزل بكم عقابُه لم تغن عنكم أولياؤكم الذين اتخذتموهم من دونه أولياء ، كما لم يُغْنِ عنهم من قبلكم أولياؤهم الذين اتخذوهم من دونه ، الحكيم في تدبيره خلقه ، فمُهلك من استوجب الهلاك في الحال التي هلاكه صلاح ، والمؤخر من أخّر هلاكه من كفرة خلقه به إلى الحين الذي في هلاكه الصلاح .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (42)

{ إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء } على إضمار القول أي قل للكفرة إن الله يعلم ، وقرأ البصريان بالياء حملا على ما قبله و { ما } استفهامية منصوبة ب { تدعون } و{ يعلم } معلقة عنها و{ من } للتبيين أو نافية و { من } مزيدة و { شيء } مفعول { تدعون } أو مصدرية و { شيء } مصدر أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول { تدعون } عائدها المحذوف ، والكلام على الأولين تجهيل لهم وتوكيد للمثل وعلى الأخيرين وعيد لهم . { وهو العزيز الحكيم } تعليل على المعنيين فإن من فرط الغباوة إشراك ما لا يعد شيئا بمن هذا شأنه ، وأن الجماد بالإضافة إلى القادر القاهر على كل شيء البالغ في العلم وإتقان الفعل الغاية كالمعدوم ، وأن من هذا وصفه قادر على مجازاتهم .