{ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } للعباد بنعمة ربهم ، وتذكرة بنار جهنم التي أعدها الله للعاصين ، وجعلها سوطا يسوق به عباده إلى دار النعيم ، { وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ } أي : [ المنتفعين أو ] المسافرين وخص الله المسافرين لأن نفع المسافر بذلك أعظم من غيره ، ولعل السبب في ذلك ، لأن الدنيا كلها دار سفر ، والعبد من حين ولد فهو مسافر إلى ربه ، فهذه النار ، جعلها الله متاعا للمسافرين في هذه الدار ، وتذكرة لهم بدار القرار ، فلما بين من نعمه ما يوجب الثناء عليه من عباده وشكره وعبادته ، أمر بتسبيحه وتحميده{[970]} فقال :
وقوله : نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً يقول : نحن جعلنا النار تذكرة لكم تذكرون بها نار جهنم ، فتعتبرون وتتعظون بها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : تَذْكِرَةً قال : تذكرة النار الكبرى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أفَرأيْتُمُ النّارَ التي تُورُونَ أأَنْتُمْ أنْشأْتُمْ شَجَرَتها أمْ نَحْنُ المُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً للنار الكبرى .
ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «نارُكُمْ هَذِهِ التي تُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزءا مِنْ نارِ جَهَنّمِ ، » قالوا : يا نبيّ الله إن كان لكافية ، قال : «قَدْ ضُرِبَتْ بالمَاءِ ضَرْبَتَيْن أوْ مَرّتَينِ ، ليَسْتَنْفِعَ بِها بَنُوا آدَمَ وَيَدْنُو مِنْها » .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد تَذْكِرَةً قال : للنار الكبرى التي في الاَخرة .
وقوله : وَمَتاعا للْمُقْوِينَ اختلف أهل التأويل في معنى المقوين ، فقال بعضهم : هم المسافرون . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : للّمُقْوِينَ قال : للمسافرين .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال : يعني المسافرين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال للمُرْمل : المسافر .
حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : للْمُقْوِينَ قال : للمسافرين .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال : للمسافرين .
وقال آخرون : عُنِي بالْمُقْوِين : المستمتعون بها . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قوله : وَمَتاعا للْمُقْوِينَ للمستمتعين الناس أجمعين .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد وَمَتاعا للْمُقْوِينَ للمستمتعين المسافر والحاضر .
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشهيد ، قال : حدثنا عتاب بن بشر ، عن خصيف في قوله : وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال : للخلق .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك : الجائعون . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد ، في قوله : وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال : المقوي : الجائع . في كلام العرب ، يقول : أقويت منه كذا وكذا : ما أكلت منه كذا وكذا شيئا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال : عُنِي بذلك للمسافر الذي لازاد معه ، ولا شيء له ، وأصله من قولهم : أقوت الدار : إذا خلت من أهلها وسكانها كما قال الشاعر :
أقْوَى وأقْفَرَ مِنْ نُعْمٍ وغَيّرَها *** هُوجُ الرّياحِ بهابي التّرْبِ مَوّارِ
يعني بقوله : «أقوى » : خلا من سكانه ، وقد يكون المقوي : ذا الفرس القويّ ، وذا المال الكثير في غير هذا الموضع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.