اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{نَحۡنُ جَعَلۡنَٰهَا تَذۡكِرَةٗ وَمَتَٰعٗا لِّلۡمُقۡوِينَ} (73)

قوله : { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } .

يعني : نار الدنيا موعظة للنار الكبرى . قاله قتادة{[55028]} .

وقال مجاهد : تبصرة للناس من الظَّلام{[55029]} .

قال عليه الصلاة والسلام : «إنَّ نَاركُمْ هذه الَّتي توقدونها يا بني آدَمَ جزءٌ من سَبْعينَ جُزْءاً من نَارِ جهنَّم » ، فقالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية ، قال : «فإنَّهَا فُضِّلتْ عليْها بِتسْعَةٍ وسِتينَ جُزْءاً ، كُلُّهن مثلُ حرِّها »{[55030]} .

قوله : { وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } .

يقال : أقوى الرَّجل إذا حلَّ في الأرض القواء ، وهي القفر ، ك «أصحر » : دخل في الصحراء ، وأقوت الدَّار : خلت من ذلك ؛ لأنها تصير قَفْراً{[55031]} .

قال النابغة : [ البسيط ]

يَا دَارَ مَيَّةَ بالعَلْيَاءِ فالسَّندِ *** أقْوَتْ ، فطال عليْهَا سالفُ الأمَدِ

قال الضحاك : «متاعاً للمقوين » أي منفعة للمسافرين ، سموا بذلك لنزولهم القوى ، وهي القفر التي لا شيء فيها{[55032]} ، وكذلك القوى والقواء - بالمد والقصر - .

ومنزل قواء : لا أنيس به ، يقال : أقوت الدار ، وقويت أيضاً ، أي خلت من سكانها . قال : [ الكامل ]

حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تقَادمَ عَهْدُهُ *** أقْوَى وأقْفَرَ بَعْدَ أمِّ الهَيْثَمِ{[55033]}

وقال مجاهد : «للمقوين » أي المنتفعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء والاستضاءة ، ويتذكر بها نار جهنم فيستجار بالله منها{[55034]} .

وقال ابن زيد : للجائعين في إصلاح طعامهم{[55035]} .

يقال : أقويت منذ كذا وكذا ، أي ما أكلت شيئاً ، وبات فلان القواء وبات القَفْرَ ، إذا بات جائعاً على غير طعم .

قال الشاعر : [ الطويل ]

وإنِّي لأخْتَارُ القَوَى ، طاويَ الحَشَا *** مُحافَظَةً مِنْ أن يُقالَ : لَئِيمُ{[55036]}

وقال قطرب : المقوي من الأضداد ، يكون بمعنى الفقير ، ويكون بمعنى الغني .

يقال : أقوى الرجل إذا لم يكن معه زادٌ ، ويقال للفقير : مُقْوٍ إذا لم [ يكن ] معه مالٌ .

وتقول العربُ : أقويت منذ كذا ، أي : ما أكلت شيئاً ، وأقوى : إذا قويت دوابه ، وكثر ماله ليقويه على ما يريد .

وقال المهدوي : والآية تصلح للجميع ؛ لأن النَّار يحتاج إليها المسافر والمقيم والغني والفقير .

وقال القشيري : وخصّ المسافر بالانتفاع بها ؛ لأنَّ انتفاعه أكثر من انتفاع المقيم ؛ لأنَّ أهل البادية لا بُدَّ لهم من النَّار يوقدونها ليلاً لتهرب منهم السِّباع ، وفي كثير من حوائجهم .


[55028]:أخرجه الطبري (11/656) عن قتادة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/230) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق.
[55029]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/142).
[55030]:أخرجه البخاري (6/380 -381) كتاب بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة حديث (3265) ومسلم (4/2184) كتاب الجنة، باب: في شدة حر نار جهنم حديث (30/2843) من حديث أبي هريرة.
[55031]:ينظر: الدر المصون 6/265، 266.
[55032]:ذكره البغوي في تفسيره (4/288).
[55033]:البيت لعنترة بن شداد. ينظر شرح ديوانه ص 119، وإعراب القرآن 4/343، واللسان (طلل)، والقرطبي 17/144.
[55034]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/656) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/230) بمعناه عن مجاهد وزاد نسبته إلى هناد وعبد بن حميد وابن المنذر.
[55035]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/657).
[55036]:البيت لحاتم الطائي. ورواية الشطر الأول في الديوان: لقد كنت أطوي البطن والزاد أشتهي *** ........................ ينظر ديوانه ص 86، والاقتضاب ص 348، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي 2/333، واللسان (قوا)، والقرطبي 17/144.