إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{نَحۡنُ جَعَلۡنَٰهَا تَذۡكِرَةٗ وَمَتَٰعٗا لِّلۡمُقۡوِينَ} (73)

وقوله تعالى : { نَحْنُ جعلناها تَذْكِرَةً } استئنافٌ مبينٌ لمنافعِها أي جعلناها تذكيراً لنارِ جهنَم حيثُ علقنا بها أسبابَ المعاشِ لينظروا إليها ويذكروا ما أُعدوا به من نارِ جهنَم أو تذكرةً وأنموذجاً من نارِ جهنَم لما رُويَ عن النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ : «نارُكم هذه التي يوقِدها بنُو آدمَ جزءٌ من سبعين جُزءاً من حرِّ جهنَم »{[768]} وقيل : تبصرةً من أمرِ العبثِ فإنه ليسَ بأبدعَ من إخراجِ النار من الشيءِ الرطبِ { ومتاعا } ومنفعةً { للمُقْوِينَ } للذين ينزلونَ القَواءَ وهي الفقرُ وتخصيصُهم بذلك لأنهم أحوجُ إليها فإن المقيمينَ أو النازلينَ بقرب منهم ليسوا بمضطرين إلى الاقتداحِ بالزنادِ ، وقد جُوز أن يرادَ بالمقوين الذين خلتْ بطونُهم ومزاودُهم من الطعامِ وهو بعيدٌ لعدم انحصارِ ما يهمهم ويسدُّ خللَهم فيما لا يؤكلُ إلا بالطبخِ وتأخيرُ هذه المنفعةِ للتنبيهِ على أن الأهم هو النفعُ الأخروي .


[768]:أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب (10)؛ والترمذي في كتاب جهنم حديث (7)؛ وابن ماجه في كتاب الزهد باب (38)؛ والدارمي في كتاب الرقاق باب (120) كما أخرجه مالك في الموطأ في كتاب جهنم باب (1).