فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{نَحۡنُ جَعَلۡنَٰهَا تَذۡكِرَةٗ وَمَتَٰعٗا لِّلۡمُقۡوِينَ} (73)

{ نحن جعلناها } أي النار التي في الدنيا { تذكرة } لنار جهنم الكبرى حيث علقنا بها أسباب المعاش ، وعممنا بالحاجة إليها البلوى ، لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون ما أوعدوا به ، قال مجاهد وقتادة : تبصرة للناس في الظلام ، وقال عطاء : موعظة ليتعظ بها المؤمن وقال ابن عباس : تذكرة للنار الكبرى .

عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، قالوا والله إن كانت لكافية يا رسول الله ؛ قال : فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرها " {[1563]} أخرجه البخاري ومسلم . { ومتاعا للمقوين } أي للمسافرين ، قاله ابن عباس ، يعني منفعة للذين ينزلون بالقواء وهي الأرض القفر ، كالمسافرين وأهل البوادي النازلين في الأراضي المقفرة ، يقال أرض قراء بالمد والقصر ؛ أي مقفرة ، ويقال أقوى إذا سافر أي نزل القوى ، وخصوا بالذكر لأن منفعتهم بها أكثر من المقيمين ، فإنهم يوقدونها بالليل لتهرب السباع ويهتدي الضال إلى غير ذلك من المنافع ، وقال مجاهد : المقوين المستمعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء والإستضاءة ، وتذكر نار جهنم ، وقال ابن زيد : للجائعين في إصلاح طعامهم ، يقال : أقويت منذ كذا وكذا أي ما أكلت شيئا وبات فلان القوى أي جائعا .

وقال قرطب : القوى من الأضداد ، يكون بمعنى الفقر ويكون بمعنى الغنى يقال : أقولا الرجل إذا لم يكن معه زاد ، وأقوى إذا قويت دوابه وكثر ماله والمعنى جعلناه متاعا ومنفعة للأغنياء والفقراء لا غنى لأحد عنها ، وقال المهدوي : الآية تصلح للجميع ، لأن النار يحتاج إليها المسافر والمقيم والغني والفقير وحكى الثعلبي عن أكثر المفسرين القول الأول وهو الظاهر .


[1563]:رواه البخاري ومسلم.