تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَدۡعُونَ مِن قَبۡلُۖ وَظَنُّواْ مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (48)

{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ } من دون الله ، أي : ذهبت عقائدهم وأعمالهم ، التي أفنوا فيها أعمارهم على عبادة غير الله ، وظنوا أنها تفيدهم ، وتدفع عنهم العذاب ، وتشفع لهم عند الله ، فخاب سعيهم ، وانتقض ظنهم ، ولم تغن عنهم شركاؤهم شيئًا { وَظَنُّوا } أي : أيقنوا في تلك الحال { مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ } أي : منقذ ينقذهم ، ولا مغيث ، ولا ملجأ ، فهذه عاقبة من أشرك بالله غيره ، بينها الله لعباده ، ليحذروا الشرك به .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَدۡعُونَ مِن قَبۡلُۖ وَظَنُّواْ مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (48)

القول في تأويل قوله تعالى :

وَضَلّ عَنْهُم مّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنّواْ مَا لَهُمْ مّن مّحِيصٍ * لاّ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ الْخَيْرِ وَإِن مّسّهُ الشّرّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ

يقول تعالى ذكره : وضلّ عن هؤلاء المشركين يوم القيامة آلهتهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا ، فأخذ بها طريق غير طريقهم ، فلم تنفعهم ، ولم تدفع عنهم شيئاً من عذاب الله الذي حلّ بهم .

وقوله : وَظَنّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ يقول : وأيقنوا حينئذٍ ما لهم من ملجأ : أي ليس لهم ملجأ يلجأون إليه من عذاب الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَظَنّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ : استيقنوا أنه ليس لهم ملجأ .

واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أبطل عمل الظنّ في هذا الموضع ، فقال بعض أهل البصرة : فعل ذلك ، لأن معنى قوله : وَظَنّوا : استيقنوا . قال : وما ههنا حرف وليس باسم ، والفعل لا يعمل في مثل هذا ، فلذلك جعل الفعل ملغًى . وقال بعضهم : ليس يلغى الفعل وهو عامل في المعنى إلا لعلة . قال : والعلة أنه حكاية ، فإذا وقع على ما لم يعمل فيه كان حكايةً وتمنياً ، وإذا عمل فهو على أصله .