الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَدۡعُونَ مِن قَبۡلُۖ وَظَنُّواْ مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (48)

وأَمَّا الضمير في قوله : { وَضَلَّ عَنْهُم } فلا احتمال لِعَوْدَتِهِ إلاَّ على الكفار ، و{ آذَنَّاكَ } قال ابن عباس وغيره : معناه : أعلمناك ما مِنَّا مَنْ يشهدُ ، ولا مَنْ شَهِدَ بأنَّ لك شريكاً { وَضَلَّ عَنْهُم } أي : نَسُوا ( ما كانوا ) يقولُونَ في الدنيا ، و( يَدْعُونَ ) من الآلهة والأصنام ، ويحتمل أن يريد : وضَلَّ عنهم الأصنام ، أي : تلفت ، فلم يجدوا منها نَصْراً ، وتلاشى لهم أمْرُهَا .

وقوله : { وَظَنُّواْ } يحتمل أنْ يكونَ متَّصِلاً بما قبله ، ويكون الوقْفُ عليه ، ويكون قوله : { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } استئنافاً ، نفَى أنْ يكُونَ لهم مَلْجَأً أو موضِعَ رَوَغَانٍ ، تقول : حَاصَ الرَّجُلُ : إذَا رَاغَ لِطَلَبِ النجاةِ مِنْ شَيْءٍ ؛ ومنه الحديثُ : " فَحاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إلَى الأَبْوَابِ " ، ويكونَ الظَّنُّ على هذا التأويل على بابه ، أي : ظَنُّوا أَنَّ هذه المقالة { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } مَنْجَاةٌ لهم ، أو أمر يموِّهون به ، ويحتمل أنْ يكون الوقف في قوله : { مِن قَبْلُ } ، ويكون { وَظَنُّواْ } متصلاً بقوله : { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } أي : ظنوا ذلك ، ويكون الظن على هذا التأويل بمعنى اليقين ، وقد تقدَّم البحثُ في إطلاق الظن على اليقين ، ( ت ) : وهذا التأويلُ هو الظاهرُ ، والأوَّلُ بعيدٌ جدًّا .