تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَقَدۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَسَوۡفَ يَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَـٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (5)

{ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ } والحق حقه أن يتبع ، ويشكر الله على تيسيره لهم ، وإتيانهم به ، فقابلوه بضد ما يجب مقابلته به فاستحقوا العقاب الشديد . { فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي : فسوف يرون ما استهزأوا به ، أنه الحق والصدق ، ويبين الله للمكذبين كذبهم وافتراءهم ، وكانوا يستهزئون بالبعث والجنة والنار ، فإذا كان يوم القيامة قيل للمكذبين : { هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ }

وقال تعالى : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَقَدۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَسَوۡفَ يَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَـٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (5)

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَقَدۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَسَوۡفَ يَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَـٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (5)

الفاء فصيحة على الأظهر أفصحت عن كلام مقدّر نشأ عن قوله : { إلا كانوا عنها معرضين } ، أي إذا تقرّر هذا الإعراض ثبت أنّهم كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم من عند الله ، فإنّ الإعراض علامة على التكذيب ، كما قدّمته آنفاً ، فما بعد فاء الفصيحة هو الجزاء . ومعناه أنّ من المعلوم سوء عواقب الذين كذّبوا بالحق الآتي من عند الله فلمّا تقرّر في الآية السابقة أنّهم أعرضوا آيات الله فقد ثبت أنّهم كذّبوا بالحقّ الوارد من الله ، ولذلك فرّع عليه قوله : { فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون } تأكيداً لوعد المؤمنين بالنصر وإظهار الإسلام على الدين كلّ وإنذار للمشركين بأن سيحلّ بهم ما حلّ بالأمم الذين كذّبوا رسلهم ممّن عرفوا مثل عاد وثمود وأصحاب الرسّ .

وبهذا التقدير لم تكن حاجة إلى جعل الفاء تفريعاً محضاً وجعل ما بعدها علّة لجزاء محذوف مدلول عليه بعلّته كما هو ظاهر « الكشاف » ، وهي مضمون { فقد كذّبوا } بأن يقدّر : فلا تعجب فقد كذّبوا بالقرآن ، لأنّ من قدّر ذلك أوهمه أنّ تكذيبهم المراد هو تكذيبهم بالآيات التي أعرضوا عنها ما عدا آية القرآن . وهذا تخصيص لعموم قوله : { من آية } بلا مخصّص ، فإنّ القرآن من جملة الآيات بل هو المقصود أولاً ، وقد علمت أنّ { فقد كذّبوا } هو الجزاء وأنّ له موقعاً عظيماً من بلاغة الإيجاز ، على أنّ ذلك التقدير يقتضي أن يكون المراد من الآيات في قوله : { من آيات ربّهم } ما عدا القرآن . وهو تخصيص لا يناسب مقام كون القرآن أعظمها .

والفاء في قوله : { فسوف } فاء التسبّب على قوله : { كذّبوا بالحقّ } ، أي يترتّب على ذلك إصابتهم بما توعّدهم به الله .

وحرف التسويف هنا لتأكيد حصول ذلك في المستقبل . واستعمل الإتيان هنا في الإصابة والحصول على سبيل الاستعارة . والأنباء جمع نبأ ، وهو الخبر الذي ب أهميّة . وأطلق تحقّق نبئِه ، لأنّ النبأ نفسه قد علم من قبل .

و { ما كانوا به يستهزئون } هو القرآن ، كقوله تعالى : { ذلكم بأنّكم اتَّخذتم آيات الله هزؤاً } فإنّ القرآن مشتمل على وعيدهم بعذاب الدنيا بالسيف ، وعذاب الآخرة . فتلك أنباءٌ أنبأهم بها فكذبّوه واستهزؤا به فتوعّدهم الله بأنّ تلك الأنباء سيصيبهم مضمونها . فلمّا قال لهم : { ما كانوا به يستهزئون } علموا أنّها أنباء القرآن لأنّهم يعلمون أنّهم يستهزئون بالقرآن وعلم السامعون أنّ هؤلاء كانوا مستهزئين بالقرآن . وتقدّم معنى الاستهزاء عند قوله تعالى في سورة البقرة : { إنّما نحن مستهزئون } .