اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَقَدۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَسَوۡفَ يَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَـٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (5)

" الفاء " هنا للتَّعْقِيبِ ، يعني : أنَّ الإعْرَاض عن الآيات أعْقَبَهُ التَّكْذِيبُ .

وقال الزمخشري{[13201]} : " فَقَدْ كَذَّبوا " مردودٌ على كلامٍ محذوف ، كأنه قيل : إن كانوا معرضين عن الآيات ، فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها .

وقال أبو حيان{[13202]} : ولا ضرورة تدعو إلى هذا في انتظام الكلام وقوله : " بالحق " من إقامة الظاهر مقام المُضْمَرِ ، إذ الأصل : فقد كذبوا بها أي : بالآية .

فصل في بيان المراد " بالحق "

والمُرَادُ بالحقِّ ها هنا القرآن .

وقيل : [ محمد صلى الله عليه وسلم وقيل : ]{[13203]} جميع الآيات .

فصل

واعلم أنَّهُ -تعالى- رتّبَ أمورَ هؤلاء الكُفَّارِ على ثلاث مراتب :

أولها : كونهم معرضين عن التأمُّلِ والتَّفَكُّرِ في الدَّلائل [ والبَيِّنَات ]{[13204]} .

والمرتبة الثانية : كونهم مكذ‍ّبين بها ، وهذه أزْيَدُ ما قَبْلَهَا ؛ لأنَّ المُعْرِضَ عن الشِّيء قد لا يكون مكذباً به ، بل قد يكون غَفِلَ عنه ؛ فإذا صَارَ مُكَذِّباً به ، فقد زاد على الإعْرَاضِ .

والمرتبة الثالثة : كونهم مُسْتَهْزِئينَ بها ؛ [ لأن المكذب ]{[13205]} بالشيء قد لا يبلغ تكذيبه به إلى حدِّ الاسْتِهْزَاءِ ، فإذا بلغ إلى هذا الحَدَّ ، فقدْ بَلَغَ الغَايَة القُصْوَى في الإنكار ، [ ثُم ]{[13206]} بَيَّن -تعالى- أنَّ أولئك الكُفَّار وصلوا في هذه المراتب الثلاثة على هذا الترتيب{[13207]} .

قوله تعال : { فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يستهزئون } .

" الأنبياء جمع " نبأ " وهو ما يعظم وقعه من الأخبار ، وفي الكلام حَذْفٌ ، أي : يأتيهم مَضْمونُ الأنباء ، و " به " متعلّق بخبر " كانوا " .

و " لمّا " حرف وجوب أو ظرف زمان ، والعامل فيه " كذبوا " {[13208]}

و " ما " يجوز أن تكون موصولةٌ اسميةً ، والضميرُ في " به " عائد عليها ، ويجوز أن تكون مصدرية{[13209]} .

قال ابن عطيّة{[13210]} : أي : أنباء كونهم مستهزئين ، وعلى هذا فالضميرُ لا يعودُ عليها ؛ لأنها حرفية ؛ بل تعود على الحقِّ ، وعند الأخفش{[13211]} يعود عليها ؛ لأنها اسم عنده .

ومعنى الآية : وسوف يأتيهم أخبارُ اسْتِهْزَائهِمْ وجَزَاؤهُ ، أي : سيعلمون عاقبة اسْتهْزَائِهِمْ إذا عُذِّبُوا ، فقيل : يوم " بدر " وقيل : يوم القيامة .


[13201]:ينظر: الكشاف 2/5، والبحر المحيط 4/79.
[13202]:ينظر: البحر المحيط 4/79.
[13203]:سقط في أ.
[13204]:سقط في أ.
[13205]:سقط في أ.
[13206]:سقط في ب.
[13207]:ينظر: الرازي 12/130.
[13208]:ينظر: رصف المباني 284، والبحر المحيط 4/80.
[13209]:ينظر: البحر المحيط 4/80، والدر المصون 3/9.
[13210]:ينظر: المحرر الوجيز 2/268، والبحر المحيط 4/80، والدر المصون 3/9.
[13211]:ينظر: الدر المصون 3/9، والبحر المحيط 4/80.