فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَقَدۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَسَوۡفَ يَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَـٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (5)

{ فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون 5 ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين 6 } .

{ فقد كذبوا } ضمنه معنى استهزؤوا فعداه بالباء والظاهر كما قال السفاقسي : أن الفاء لتعقيب الإعراض بالتكذيب فهي عاطفة على الجملة قبلها ، وجعلها الزمخشري جواب شرط مقدر أي إن كانوا معرضين عن الآيات فلا تعجب فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها ، وهو الحق لما جاءهم وفيه تكلف وهذه المرتبة أزيد من الأولى لأن المعرض عن الشيء قد لا يكون مكذبا به بل قد يكون غافلا عنه غير معترض له ، فإذا صار مكذبا فقد زاد على الإعراض قاله الكرخي .

{ بالحق لما جاءهم } قيل المراد بالحق هنا القرآن وقيل محمد صلى الله عليه وسلم { فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون } أي سيعرفون أن هذا الشيء الذي استهزؤا به ليس بموضع للاستهزاء وذلك عند إرسال عذاب الله عليهم ، كما يقال اصبر فسوف يأتيك الخبر ، عند إرادة الوعيد والتهديد ، وفي لفظ الإنباء ما يرشد إلى ذلك ، فإنه لا يطلق إلا على خبر عظيم الوقع ، وحملها على العقوبات الآجلة أو على ظهور الإسلام وعلو كلمته يأباه الآيات الآتية ، قال ابن عطية : أي أنباء كونهم مستهزئين .