نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَقَدۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَسَوۡفَ يَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَـٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (5)

ولما كان إعراضهم عن النظر سبباً لتكذيبهم ، وهو سبب لتعذيبهم قال{[28588]} : { فقد كذبوا } أي أوقعوا تكذيب الصادق { بالحق } أي بسبب الأمر الثابت الكامل في الثبات كله . لأن الآيات كلها متساوية في الدلالة على ما تدل عليه الواحدة منها { لما جآءهم }{[28589]} أي لم يتأخروا عند المجيء أصلاً لنظر ولا لغيره ، وذلك أدل ما يكون على العناد . {[28590]}

ولما كان الإعراض عن الشيء هكذا فعل المكذب المستهزئ الذي بلغ بتكذيبه{[28591]} الغايةَ القصوى ، وهي الاستهزاء ، قال : { فسوف يأتيهم } أي بوعد صادق لا خلف فيه عند نزول العذاب بهم وإن تأخر إتيانه { أنباء ما كانوا } أي جبلة وطبعاً { به يستهزئون } أي يجددون الهزء به بغاية الرغبة في طلبه ، وهو أبعد شيء عن الهزء ، والنبأ : الخبر العظيم ، وهو الذي يكون معه الجزاء ، وأفاد تقديم الظرف أنهم لم يكونوا يهزؤون بغير الحق الكامل - كما ترى كثيراً من المترفين لا يعجب{[28592]} من العجب ويعجب{[28593]} من غير العجب ، أو أنه عد{[28594]} استهزاءهم بغيره بالنسبة إلى الاستهزاء به عدماً .


[28588]:من ظ، وفي الأصل: فقال.
[28589]:تأخر ما بين الرقمين في الأصل عن "الاستهزاء قال" والترتيب من ظ.
[28590]:تأخر ما بين الرقمين في الأصل عن "الاستهزاء قال" والترتيب من ظ.
[28591]:في ظ: تكذيبه.
[28592]:في ظ: فلا تعجبب.
[28593]:في ظ: تعجب.
[28594]:في ظ: قد.