تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمۡ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ عِتِيّٗا} (69)

{ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا } أي : ثم لننزعن من كل طائفة وفرقة من الظالمين المشتركين في الظلم والكفر والعتو أشدهم عتوا ، وأعظمهم ظلما ، وأكبرهم كفرا ، فيقدمهم إلى العذاب ، ثم هكذا يقدم إلى العذاب ، الأغلظ إثما ، فالأغلظ وهم في تلك الحال متلاعنون ، يلعن بعضهم بعضا ، ويقول أخراهم لأولاهم : { رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ* وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ } وكل هذا تابع لعدله وحكمته وعلمه الواسع ، ولهذا قال : { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمۡ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ عِتِيّٗا} (69)

ثم يخص - سبحانه - بالذكر المصير المفزع للمتكبرين من هؤلاء الكافرين فيقول : { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيّاً } .

والنزع : العزل والإخراج . يقال : نزع السلطان عامله ، إذا عزله وأخرجه من عمله ، والشيعة فى الأصل : الجماعة من الناس يتعاونون فيما بينهم على أمر من الأمور ، يقال : تشايع القوم ، إذا تعاونوا فيما بينهم .

و { عِتِيّاً } أى : خروجا عن الطاعة والاستجابة للأمر ، يقال : عتا فلان يعتو عتوا - من باب قعد - فهو عات إذا استكبر وجاوز حدوده فى العصيان والطغيان .

والمعنى : ثم لنستخرجن من كل طائفة تشايعت وتعاهدت على الكفر بالبعث ، والجحود للحق ، الذين هم أشد خروجاً عن طاعتنا وامتثال أمرنا فنبدأ بتعذيبهم أولاً ، لأنهم أشد من غيرهم فى العتو والعناد والجحود والضلال .

قال الجمل ما ملخصه : " وأظهر الأعاريب فى قوله : { أَيُّهُمْ أَشَدُّ } أن " أى " موصولة بمعنى الذى . وأن حركتها حركة بناء - أى هى مبنية على الضم - ، وأشد خبر مبتدأ مضمر . والجملة صلة لأى . وأيهم وصلتها فى محل نصب مفعولا به لننزعن . وعتيا تمييز محول عن المبتدأ المحذوف الذى هو أشد ، أى : جراءته على الرحمن أشد من جراءة غيره " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمۡ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ عِتِيّٗا} (69)

وقال الكسائي { لننزعن } أريد به لننادين فعومل معاملة الفعل المراد فلم يعمل في «أي » وقال المبرد «أيُّهم » متعلق ب { شيعة } فلذلك ارتفع ، والمعنى من الذين تشايعوا «أيهم » أشد كأنهم يتبارون إلى هذا ويلزمه أن يقدر مفعولاً ل «ننزع » محذوفاً . وقرأ طلحة بن مصرف «أيهم أكبر » . و { عتيا } مصدر أصله عتوواً وعلل بما علل { جثياً } وروى أبو سعيد الخدري «أنه يندلق عنق من النار فيقول إني أمرت بكل جبار عنيد » فتلتقطهم الحديث .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمۡ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ عِتِيّٗا} (69)

القول في عطف جملة { ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعة } كالقول في جملة { ثمّ لنحضرنهم } . وهذه حالة أخرى من الرّعب أشدّ من اللتين قبلها وهي حالة تمييزهم للإلقاء في دركات الجحيم على حسب مراتب غلوّهم في الكفر .

والنزع : إخراج شيء من غيره ، ومنه نزع الماء من البئر .

والشيعة : الطائفة التي شاعت أحداً ، أي اتّبعته ، فهي على رأي واحد . وتقدم في قوله تعالى : { ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين } في سورة الحِجر ( 10 ) . والمراد هنا شيع أهل الكفر ، أي من كلّ شيعة منهم . أي ممن أحضرناهم حول جهنّم .

والعُتِيّ : العصيان والتجبّر ، فهو مصدر بوزن فُعول مثل : خروج وجلوس ، فقلبت الواو ياء . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف بكسر العين إتباعاً لحركة التاء كما تقدّم في جثياً .

والمعنى : لنميزنّ من كلّ فرقة تجمعها محلة خاصة من دين الضلال من هو من تلك الشيعة أشدّ عصياناً لله وتجبّراً عليه .

وهذا تهديد لعظماء المشركين مثل أبي جهل وأميّة بن خلف ونظرائهم .

و ( أيّ ) اسم موصول بمعنى ( ما ) و ( من ) . والغالب أن يحذف صدر صلتها فتبنى على الضم . وأصل التركيب : أيّهم هو أشدّ عتياً على الرحمان . وذكر صفة الرحمان هنا لتفظيع عتوّهم ، لأنّ شديد الرّحمة بالخلق حقيق بالشكر له والإحسان لا بالكفر به والطغيان .

ولمّا كان هذا النّزع والتمييز مجملاً ، فقد يزعم كل فريق أن غيره أشدّ عصياناً ، أعلم الله تعالى أنّه يعلم من هو أولى منهم بمقدار صُلي النّار فإنّها دركات متفاوتة .