تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ }

يخبر تعالى : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها ، والتبصر بآياتها ، وتدبر خلقها ، وأبهم قوله : { آيات } ولم يقل : " على المطلب الفلاني " إشارة لكثرتها وعمومها ، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين ، ويقنع المتفكرين ، ويجذب أفئدة الصادقين ، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية ، فأما تفصيل ما اشتملت عليه ، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره ، ويحيط ببعضه ، وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة ، وانتظام السير والحركة ، يدل على عظمة خالقها ، وعظمة سلطانه وشمول قدرته . وما فيها من الإحكام والإتقان ، وبديع الصنع ، ولطائف الفعل ، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها ، وسعة علمه . وما فيها من المنافع للخلق ، يدل على سعة رحمة الله ، وعموم فضله ، وشمول بره ، ووجوب شكره .

وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها ، وبذل الجهد في مرضاته ، وأن لا يشرك به سواه ، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .

وخص الله بالآيات أولي الألباب ، وهم أهل العقول ؛ لأنهم هم المنتفعون بها ، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده فقد روى البخارى - رحمه الله – عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : بت عند خالتى ميمونة ، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد : فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } . . . الآيات .

ثم قام فتوضأ واستن ، ثم صلى إحدى عشرة ركعة ، ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى بالناس الصبح .

وروى مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة بعد ما مضى شطر من الليل فنظر إلى السماء وتلا هذه الآية { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } إلى آخر السورة .

ثم قال : " اللهم اجعل فى قلبى نوراً ، وفى سمعى نوراً ، وفى بصرى نوراً ، وعن يمينى نوراً ، وعن شمالى نوراً ، ومن بين يدى نوراً ، ومن خلفى نوراً ، ومن فوقى نوراً ، ومن تحتى نوراً . وأعظم لى نوراً يوم القيامة " .

وروى ابن مردويه عن عطاء قال : " انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة - رضى الله عنها - فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب فقال لها ابن عمر : أخبرينا بأعجب ما رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فبكت وقالت : كل أمره كان عجبا ! ! أتانى فى ليلتى حتى مسَّ جلده جلدى ثم قال : يا عائشة : ذرينى أتعبد لربى - عز وجل - قالت : فقلت والله أنى لأحب قربك وإنى أحب أن تعبد ربك .

فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء ، ثم قام يصلى فبكى حتى بل لحيته ، ثم سجد فبكى حتى بل الأرض ، ثم اضطجع على جنبه فبكى . ثم إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت : فقال : يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : ويحك يا بلال ! ! وما يمنعنى أن أبكى وقد أنزل الله على هذه الليلة : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } إلخ الآيات .

ثم قال : ويل لمن يقرأها ولم يتفكر فيها " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

ثم دل على مواضع النظر والعبرة ، حيث يقع الاستدلال على الصانع بوجود السماوات والأرضين والمخلوقات دال على العلم ، ومحال أن يكون موجود عالم مريد غير حي ، فثبت بالنظر في هذه الآية عظم الصفات{[3782]} .

{ واختلاف الليل والنهار } هو تعاقبهما ، إذ جعلهما الله خلفة ، ويدخل تحت لفظة الاختلاف كونهما يقصر هذا ويطول الآخر وبالعكس ، ويدخل في ذلك اختلافهما بالنور والظلام ، و «الآيات » : العلامات و { الألباب } في هذه الآية : هي ألباب التكليف لا ألباب التجربة ، لأن كل من له علوم ضرورية يدركها فإنه يعلم ضرورة ما قلناه من صفات الله تعالى .


[3782]:- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآيات العشر من آخر (آل عمران) إذا قام يتهجد في الليل، وهي قوله تعالى {إن في خلق السماوات والأرض}. فقد روى البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة- عن ابن عباس قال: (بتّ عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد، فنظر إلى السماء فقال: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}- ثم قام فتوضأ واستنّ فصلّى إحدى عشرة ركعة، ثم أذّن بلال فصلّى ركعتين، ثم خرج فصلّى بالناس الصبح).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

هذا غرض أُنف بالنسبة لما تتابع من أغراض السورة ، انتُقل به من المقدّمات والمقصد والمتخلِّلات بالمناسبات ، إلى غرض جديد هو الاعتبار بخلق العوالم وأعراضها والتنويه بالذين يعتبرون بما فيها من آيات .

ومِثْل هذا الانتقال يكون إيذاناً بانتهاء الكلام على أغراض السورة ، على تفنّنها ، فقد كان التنقّل فيها من الغرض إلى مشاكله وقد وقع الانتقال الآن إلى غرض عامّ : وهو الاعتبار بخلق السماوات والأرض وحال المؤمنين في الاتّعاظ بذلك ، وهذا النحو في الانتقال يعرض للخطيب ونحوه من أغراضه عقب إيفائها حقّها إلى غرض آخر إيذاناً بأنّه أشرف على الانتهاء ، وشأن القرآن أن يختم بالموعظة لأنّها أهمّ أغراض الرسالة ، كما وقع في ختام سورة البقرة .

وحرف ( إنّ ) للاهتمام بالخبر .

والمراد ب { خلْق السماوات والأرض } هنا : إمّا آثار خَلْقِها ، وهو النظام الذي جعل فيها ، وإمّا أن يراد بالخلق المخلوقات كقوله تعالى : { هذا خلق اللَّه } [ لقمان : 11 ] . و { أولو الألباب } أهل العقول الكاملة لأنّ لبّ الشيء هو خلاصته . وقد قدّمنا في سورة البقرة بيان ما في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار من الآيات عند قوله تعالى : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف اللَّيل والنهار والفلك } [ البقرة : 164 ] إلخ .