{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } أي : يذهب أحدهما فيخلفه الآخر ، هكذا أبدا لا يجتمعان ولا يرتفعان ، { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } أي : لمن أراد أن يتذكر بهما ويعتبر ويستدل بهما على كثير من المطالب الإلهية ويشكر الله على ذلك ، ولمن أراد أن يذكر الله ويشكره وله ورد من الليل أو النهار ، فمن فاته ورده من أحدهما أدركه في الآخر ، وأيضا فإن القلوب تتقلب وتنتقل في ساعات الليل والنهار فيحدث لها النشاط والكسل والذكر والغفلة والقبض والبسط والإقبال والإعراض ، فجعل الله الليل والنهار يتوالى على العباد ويتكرران ليحدث لهم الذكر والنشاط والشكر لله في وقت آخر ، ولأن أوراد العبادات تتكرر بتكرر الليل والنهار ، فكما تكررت الأوقات أحدث للعبد همة غير همته التي كسلت في الوقت المتقدم فزاد في تذكرها وشكرها ، فوظائف الطاعات بمنزلة سقي الإيمان الذي يمده فلولا ذلك لذوى غرس الإيمان ويبس . فلله أتم حمد وأكمله على ذلك .
ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن نعمة أخرى فتقول : { وَهُوَ الذي جَعَلَ الليل والنهار خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } .
والخلفة . كل شىء يجىء بعد شىء آخر غيره . ومنخ خلفة النبات . أى : الورق الذى يخرج منه بعد أن تساقط الورق السابق عليه .
أى : وهو - سبحانه - الذى جعل الليل والنهار متعاقبين . بحيث يخلف كل واحد منهما الآخر بنظام دقيق ، ليكونا مناسبين " لمن أراد أن يذكر " . أى : يتعظ ويعتبر ويتذكر أن الله - تعالى - لم يجعلهما على هذه الهيئة عبثا فيتدارك ما فاته من تقصير وتفريط فى حقوق الله - عز وجل - " أو أراد شكورا " .
أى : وجعلهما كذلك لمن أراد أن يزداد من شكر الله على نعمه التى لا تحصى ، والتى من أعظمها وجود الليل ولانهار على هذه الهيئة الحكيمة ، التى تدل على وحدانية الله - تعالى - وعظيم قدرته ، وسعة رحمته .
وبعد هذا الحديث المتنوع عن شبهات المشركين والرد عليها ، وعن مظاهر قدرة الله ونعمه على عباده ، وعن الذين إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن . . .
وقوله { خلفة } أي هذا يخلف هذا ، وهذا يخلف هذا ، ومن هذا المعنى قول زهير : [ الطويل ]
بها العين والأرآم يمشين خلفة . . . وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم{[8869]}
ومن هذا قول الآخر يصف امرأة تنتقل من منزل في الشتاء إلى منزل في الصيف دأباً [ يزيد بن معاوية ] : [ المديد ]
ولها بالماطرون إذا . . . أكل النمل الذي جمعا
خلفة حتى إذا ارتبعت . . . سكنت من جلق بيعا
في بيوت وسط دسكرة . . . حولها الزيتون قد ينعا{[8870]}
وقال مجاهد { خلفة } من الخلاف ، هذا أبيض وهذا أسود ، وما قدمناه أقوى ، وقال مجاهد وغيره من النظار { لمن أراد أن يذكر } أي يعتبر بالمصنوعات ويشكر الله على نعمه عليه في العقل والفهم والفكر ، وقال عمرو بن الخطاب والحسن وابن عباس معناه { لمن أراد أن يذكر } ما فاته من الخير والصلاة ونحوه في أحدهما فيستدركه في الذي يليه ، وقرأ حمزة وحده{[8871]} «يذْكُر » بسكون الذال وضم الكاف ، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة والنخعي ، وقرأ الباقون «يذّكر » بشد الذال ، وفي مصحف أبي بن كعب «يتذكر » بزيادة تاء ، ثم قال تعالى { لمن أرد أن يذكر أو أراد شكوراً } جاء بصفة عباده الذين هم أهل التذكر والشكور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.