تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ خِلۡفَةٗ لِّمَنۡ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوۡ أَرَادَ شُكُورٗا} (62)

[ الآية 62 ] وكذلك قوله تعالى : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } أي جعل أحدهما خلف الآخر : إذا ذهب هذا جاء هذا { لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } أي يذكر الليل والنهار ، لمن أراد أن يتذكر الموعظة ، أو يشكر لنعمه لأنهما يذكران قدرته وسلطانه حين{[14523]} يقهر الجبابرة والفراعنة ويغلبهم{[14524]} حين يظلمون ، ويأتيانهم ، شاؤوا ، أو كرهوا ، لا يقدرون دفعهما عن أنفسهم .

وفيهما دلالة الإحياء والبعث بعد الفناء والهلاك [ حين يذهب بهذا ، ويأتي ]{[14525]} بآخر بعد / 379- ب/ أن لم يبق من أثره شيء . فمن قدر على هذا قدر على هذا قدر على البعث والإحياء بعد الموت وذهاب أثره .

ويذكران أيضا نعمه وآلاءه لأنه جعل النهار منقلبا لمعاشهم ومطلبا لرزقهم وما به قوام أنفسهم ، وجعل الليل مستراحا لأبدانهم [ وسكونا ؛ إذ ]{[14526]} لا قوام للأبدان لأحد دون الآخر .

ألا ترى أنه كيف ذكر نعمه فيهما حين قال : { قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة } الآية [ القصص : 71 ] وقال : { قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه } الآية [ القصص : 72 ] يذكرهم عظيم نعمه فيهما ؟ أعني في الليل والنهار ليستأدي به شكره . فعلى ذلك هذا ما ذكرنا [ في ]{[14527]} قوله : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } النعمة التي جعل فيهما .

وقال بعضهم : قوله : { خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } أي يكون كل واحد منهما خلفا للآخر في ما يفوت من التذكر والتشكر ؛ يقضى في الآخر .

وقال الحسن قريبا مما ذكرنا ، وقال : من فاته شيء بالليل أدركه بالنهار ، ومن فاته شيء بالنهار أدركه بالليل ، وعلى مثل ذلك روي عن عمر أن رجلا ، قال له : يا أمير المؤمنين إنني فاتتني الصلاة الليلة ، فقال عمر : أدرك ما فاتك من ليلك في نهارك الآخر .

ثم يحتمل الاختلاف وجهين :

أحدهما : مجيء هذا وذهاب الآخر على ما ذكرنا كقوله : { واختلاف الليل والنهار } [ البقرة : 164 ] .

والثاني : هو اختلاف اللون من السواد والبياض ؛ أحدهما أسود ، والآخر أبيض ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { تبارك الذي جعل في السماء بروجا } قال بعضهم : البروج ، هي النجوم العظام ، والواحد برج ، وهو قول أبي عوسجة إلى الأعرابي . وقال بعضهم : البروج القصور في السماء ، فيها تنزل الشمس في كل ليلة .

وروي مثل قول عمر عن سلمان أن رجلا أتاه ، فقال : إني لا أستطيع قيام الليل ، قال : إن كنت لا تستطيع قيام الليل فلا [ تعجز عنه ]{[14528]} بالنهار .

وذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( أصيبوا من الليل ولو ركعتين ولو أربعا ) وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده إن في كل ليلة ساعة ، لا يوافقها رجل مسلم يسأل فيها خيرا إلا أعطي له في هذا الليل والنهار ، فإنهما مطيتان ، تحملان الناس إلى آجالهم ؛ تقربان كل بعيد ، وتبليان كل جديد ، وتجيئان بكل موعود ، حتى يؤدى{[14529]} ذلك إلى { يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } [ المعارج : 4 ] يصير الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار { ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب } [ إبراهيم : 51 ] ){[14530]} [ بنحوه مسلم : 757 ] .


[14523]:- في الأصل وم: حيث.
[14524]:- في الأصل وم: ويغلبانهم.
[14525]:- في الأصل وم: حيث ذهب بهذا أتي.
[14526]:- في الأصل وم: وسكونهم.
[14527]:- ساقطة من الأصل وم.
[14528]:- في الأصل وم: تعجزه.
[14529]:- من م، في الأصل: يرد.
[14530]:- أدرج هذا الحديث في صحيح مسلم في كتاب الجمعة بلفظ آخر.