اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ خِلۡفَةٗ لِّمَنۡ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوۡ أَرَادَ شُكُورٗا} (62)

قوله تعالى : { وَهُوَ الذي جَعَلَ الليل والنهار خِلْفَةً } الآية .

في «خِلْفَةً » وجهان : أحدهما : أنه مفعول ثان . والثاني : أنه حال{[36568]} بحسب القولين في «جعل » . و «خلفة » يجوز أن تكون مصدراً من خلفه يخلفه إذا جاء مكانه ، وأن يكون اسم هيئة منه كالرّكبة ، وأن يكون من الاختلاف{[36569]} .

كقوله :

وَلَهَا بِالمَاطِرُونِ إذَا *** أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا

خِلْفَةً حَتَّى إذَا ارْتَبَعتْ *** سَكَنَتْ مِنْ جِلَّقٍ بِيَعَا

في بُيُوتٍ وَسْطَ دَسْكرةٍ *** حَوْلَهَا الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعَا{[36570]}

ومثله قوله زهير :

بِهَا العِيْنُ والآرامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً{[36571]} *** . . .

وأفرد «خِلْفَةً » قال أبو البقاء : لأن المعنى يخلف أحدهما الآخر ، فلا يتحقق هذا إلا منهما{[36572]} .

قال ابن عباس : جعل كل واحد منهما يخلف صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه ، فمن فرط في عمل في أحدهما قضاه في الآخر ، جاء رجل إلى عمر بن الخطاب{[36573]} فقال فاتتني الصلاة الليلة فقال : أدرك ما فاتتك من ليلتك في نهارك فإن الله عز وجل جعل الليل والنهار خلفة .

وقال مجاهد وقتادة والكسائي : يقال لكل شيئين اختلفا : هما خلفان ، فقوله : «خلفة » أي مختلفين ، هذا أسود ، وهذا أبيض ، وهذا طويل ، وهذا قصير . والأول أقرب{[36574]} .

{ لمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } قراءة العامة{[36575]} بالتشديد ، وقرأ حمزة بالتخفيف{[36576]} ، وعن أبيّ بن كعب «يتذكر »{[36577]} . والمعنى : لينظر الناظر في اختلافهما ، فيعلم أنه لا بد في انتقالهما من حال إلى حال ، من ناقل ومغير فيتعظ{[36578]} .

{ أو أراد شكوراً } قال مجاهد : أي شكر نعمة ربه عليه{[36579]} فيها{[36580]} . والشُّكُور بالضم مصدر شَكَرَ شُكُوراً بمعنى الشُّكر ، وبالفتح صيغة مبالغة{[36581]} .


[36568]:انظر التبيان 2/990.
[36569]:انظر البحر المحيط 6/511.
[36570]:الأبيات من بحر المديد، قالها أبو دهبل الجمحي أو يزيد بن معاوية، وقد تقدم.
[36571]:صدر بيت من بحر الطويل، وعجزه: وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم *** ... قاله زهير، وهو من معلقته. وقد تقدم.
[36572]:التبيان 2/990.
[36573]:في ب: عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-.
[36574]:انظر الفخر الرازي 24/106.
[36575]:غير حمزة.
[36576]:السبعة (466)، الكشف 2/147، النشر 2/334، الإتحاف (330).
[36577]:الكشاف 3/103، تفسير ابن عطية 11/64.
[36578]:انظر الكشاف 3/103، الفخر الرازي 24/107.
[36579]:عليه: سقط من الأصل.
[36580]:انظر البغوي 6/191.
[36581]:انظر اللسان (شكر).