فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ خِلۡفَةٗ لِّمَنۡ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوۡ أَرَادَ شُكُورٗا} (62)

{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } قال أبو عبيدة : الخلفة كل شيء بعد شيء الليل خلفة للنهار ، والنهار خلفة الليل ، لأن أحدهما يخلف الآخر ، ويأتي بعده ، ومنه خلفة النبات ، وهو ورق يخرج بعد الورق الأول في الصيف . قال الفراء : يقول : يذهب هذا ، ويجيء هذا ، وقال مجاهد وابن عباس : خلفة من الخلاف ، هذا أبيض وهذا اسود والأول أقوى . وقيل : يتعاقبان في الضياء والظلام ، والزيادة والنقصان . وقيل : هو من باب حذف المضاف أي : جعل الليل والنهار ذوي خلفة أي : اختلاف . قال ابن عباس وعمر والحسن : يقول من فاته شيء من الخير بالليل أن يعلمه أدركه بالنهار ومن فاته بالنهار أدركه الليل .

وعن الحسن أن عمر أطال صلاة الضحى ، فقيل له : صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ؟ فقال : إنه بقي علي من وردي شيء فأحببت أن أتمه أو قال أقضيه ، وتلا هذه الآية : { لمن أراد أن يذكر } مشددا من التذكر لله وقرئ مخففا من الذكر له .

والمعنى أن المتذكر المعتبر إذا نظر في اختلاف الليل والنهار علم أنه لا بد في إنقالهما من حال إلى حال من ناقل . وقيل : المعنى يتذكر ، فيعلم أن الله لم يجعلهما كذلك عبثا فيعتبر في مصنوعات الله ويشكره سبحانه على نعمه عليه في العقل ، والفكر والفهم . قال الفراء : يذكر ويتذكر يأتيان بمعنى واحد قال الله تعالى : { واذكروا ما فيه } وفي حرف عبد الله : ويذكروا ما فيه { أو أراد شكورا } أي : أراد أن يشكر الله على ما أودعه في الليل والنهار ، من النعم العظيمة والألطاف الكثيرة و { أو } للتقسيم والتنويع وهي مانعة خلو فتجوز الجمع .