{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ } أي : إذا أعطوا الناس حقهم ، الذي للناس{[1375]} عليهم بكيل أو وزن ، { يُخْسِرُونَ } أي : ينقصونهم ذلك ، إما بمكيال وميزان ناقصين ، أو بعدم ملء المكيال والميزان ، أو نحو ذلك . فهذا سرقة [ لأموال ] الناس{[1376]} ، وعدم إنصاف [ لهم ] منهم .
وإذا كان هذا الوعيد على الذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان ، فالذي يأخذ أموالهم قهرًا أو سرقة ، أولى بهذا الوعيد{[1377]} من المطففين .
ودلت الآية الكريمة ، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له ، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات ، بل يدخل في [ عموم هذا ]{[1378]} الحجج والمقالات ، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد [ منهما ] يحرص على ماله من الحجج ، فيجب عليه أيضًا أن يبين ما لخصمه من الحجج{[1379]} [ التي لا يعلمها ] ، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو ، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه ، وتواضعه من كبره ، وعقله من سفهه ، نسأل الله التوفيق لكل خير .
ثم توعد تعالى المطففين ، وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه ، فقال :
وقال - سبحانه - { إِذَا اكتالوا عَلَى الناس } ولم يقل : من الناس . للإِشارة إلى ما فى عملهم المنكر من الاستيلاء والقهر والظلم .
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالا يضرهم ، ويتحامل فيه عليهم ، أبدل " على " مكان " من " للدلالة على ذلك .
ويجوز أن يتعلق " على " بيستوفون ، ويقدم المفعول على الفعل لإِفادة الخصوصية . أى : يستوفون على الناس خاصة ، فأما أنفسهم فيستوفون لها .
وقال الفراء : " من " و " على " يعتقبان فى هذا الموضوع ، لأنه حق عليه ، فإذا قال : اكتلت عليك ، فكأنه قال : أخذت ما عليك ، وإذا قال : اكتلت منك ، فكقوله : استوفيت منك .
والتعبير بقوله : { يستوفون } و { يخسرون } يدل على حرصهم الشديد فيما يتعلق بحقوقهم ، وإهمالهم الشنيع لحقوق غيرهم ، إذ استيفاء الشئ ، أخذه وافيا تاما ، فالسين والتاء فيه للمبالغة .
وأما { يخسرون } فمعناه إيقاع الخسارة على الغير فى حالتى الكيل والوزن وما يشبههما
و { كالوهم } معناه : قبضوهم ، يقال : كلت منك واكتلت عليك ، ويقال : وكلت لك فلما حذفت اللام تعدى الفعل ، قال الفراء والأخفش .
ولقد جنتك أكمؤاً وعساقلاً*** ولقد نهيتك عن بنات الأوبر{[11674]}
وعلى هذا المعنى هي قراءة الجمهور ، وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين{[11675]} ويقف على «كالوا » و «وزنوا » بمعنى : هم يخسرون إذا كالوا ووزنوا . ورويت عن حمزة{[11676]} ، فقوله : «هم » تأكيد للضمير ، وظاهر هذه الآية يقتضي أن الكيل والوزن على البائع وليس ذلك بالجلي ، وصدر الآية هو في المشترين ، فذمهم بأنهم { يستوفون } ويشاحون في ذلك ، إذ لا تمكنهم الزيادة على الاستيفاء لأن البائع يحفظ نفسه ، فهذا مبلغ قدرتهم في ترك الفضيلة والسماحة المندوب إليها ، ثم ذكر أنه إذا باعوا أمكنهم من الظلم والتطفيف أن يخسروا لأنهم يتولون الكيل للمشتري منهم وذلك بحالة من يخسر البائع إن قدر ، و { يخسرون } معدى بالهمزة يقال : خسر الرجل وأخسره غيره ، والمفعول ل { كالوهم } محذوف
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.