تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ} (20)

ثم صرح بالفضل فقال : { الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ } بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة { وَأَنْفُسِهِمْ } بالخروج بالنفس { أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } أي : لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب ، إلا من اتصف بصفاتهم ، وتخلق بأخلاقهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ} (20)

وقوله . { الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ الله . . } . استئناف لبيان مراتب فضلهم زيادة في الرد ، وتكميلا له .

أى : { الذين آمَنُواْ } بالله - تعالى - إيماناً حقاً ، { وَهَاجَرُواْ } من دار الكفر إلى دار الإِيمان فراراً بدينهم ، { وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله } لإِعلاء كلمة الله { بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } هؤلاء الذين توفرت فيهم هذه الصفات الجليلة { أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ الله } أى : أعلى مقاماً وأشرف منزلة في حكم الله وتقديره من أهل سقاية الحاج . وعمارة المسجد { الحرام } ومن كل من لم يتصف بهذه الصفات الأربعة الكريمة وهى : الايمان ، والهجرة ، والجهاد بالمال ، والجهاد بالنفس .

قال الفخر الرازى : فان قيل : لما أخبرتم أن هذه الصفات كانت بين المسلمين والكافرين . كما جاء في بعض روايات أسباب النزول . فكيف قال في وصفهم اعظم درجة مع أنه ليس للكفار درجة .

قلنا . الجواب عنه من وجوه . الأول أن هذا ورد على حسب ما كانوا يقدرون لأنفسهم من الدرجة والفضيلة عند الله ، ونظيره قوله . سبحانه { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } الثانى : أن يكون المراد أن أولئك أعظم درجة من كل من لم يكن موصوفاً بهذه الصفات ، تنبيهاً على أنهم لما كانوا أفضل من المؤمنين ما كانوا موصوفين بهذه الصفات ، فبأن لا يقاسوا إلى الكفار أولى .

الثالث : أن يكون المراد أن المؤمن المجاهد المهاجر أفضل ممن على الساقية والعمارة والمراد منه ترجيح تلك الأعمال . ولا شك أن السقاية والعمارة من أعمال الخير . وإنما بطل ثوابها في حق الكفار بسبب كفرهم .

وقوله : { وأولئك هُمُ الفائزون } أى : وأولئك الموصوفون بتلك الصفات الكريمة ، هم الفائزون ، بثواب الله الأعظم ، وبرضائه الأسمى الذي لا يصل إليه سواهم ممن لم يفعل فعلهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ} (20)

{ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله } أعلى رتبة وأكثر كرامة ممن لم تستجمع فيه هذه الصفات أو من أهل السقاية والعمارة عندكم . { وأولئك هم الفائزون } بالثواب ونيل الحسنى عند الله دونكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ} (20)

لما حكم الله تعالى في الآية المتقدمة بأن الصنفين لا يستوون بين ذلك في هذه الآية الأخيرة وأوضحه ، فعدد الإيمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس ، وحكم أن أهل هذه الخصال { أعظم درجة عند الله } من جميع الخلق ، ثم حكم لهم بالفوز برحمته ورضوانه ، والفوز بلوغ البغية إما في نيل رغبته أو نجاة من مهلكة ، وينظر إلى معنى هذه الآية الحديث الذي جاء «دعوا لي أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه »{[5572]} .

قال القاضي أبو محمد : لأن أصحاب هذه الخصال على سيوفهم انبنى الإسلام وهم ردوا الناس إلى الشرع .


[5572]:-رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه، ولفظه: (ادعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهبا ما بلغتم أعمالهم). قال الإمام السيوطي، وهو حديث صحيح. وفي الصحيحين وغيرهما من الصحاح عن أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ} (20)

هذه الجملة مبيّنة لنفي الاستواء الذي في جملة { لا يستون عند الله } [ التوبة : 19 ] ومفصّلة للجهاد الذي في قوله : { كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله } [ التوبة : 19 ] بأنّه الجهاد بالأموال والأنفس ، وإدماج لبيان مزية المهاجرين من المجاهدين .

و ( الذين هاجروا ) هم المؤمنون من أهل مكة وما حولها ، الذين هاجروا منها إلى المدينة لما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إليها بعد أن أسلموا ، وذلك قبل فتح مكة .

والمهاجَرة : ترك الموطن والحلولُ ببلد آخر ، وهي مشتقّة من الهجر وهو الترك ، واشتقّت لها صيغة المفاعلة لاختصاصها بالهجر القوي وهو هجر الوطن ، والمراد بها في عرف الشرع هجرة خاصّة : وهي الهجرة من مكة إلى المدينة ، فلا تشمل هجرةَ مَن هاجر من المسلمين إلى بلاد الحبشة لأنّها لم تكن على نية الاستيطان بل كانت هجرة مؤقته ، وتقدّم ذكر الهجرة في آخر سورة الأنفال .

والمفضل عليه محذوف لظهوره : أي أعظم درجة عند الله من أصحاب السقاية والعمارة الذين آمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا الجهاد الكثير الذي جاهده المسلمون أيام بقاء أولئك في الكفر ، والمقصود تفضيل خصالهم .

والدرجة تقدّمت عند قوله تعالى : { وللرجال عليهن درجة } في سورة البقرة ( 228 ) . وقوله : { لهم درجات عند ربّهم } في أوائل الأنفال ( 4 ) . وهي في كلّ ذلك مستعارة لرفع المقدار . و{ عند الله } إشارة إلى أنّ رفعة مقدارهم رفعة رضى من الله وتفضيل بالتشريف ، لأنّ أصل ( عند ) أنّها ظرف للقرب .

وجملة { وأولئك هم الفائزون } معطوفة على { أعظم درجة } أي : أعظم وهم أصحاب الفوز . وتعريف المسند باللام مفيد للقصر ، وهو قصر ادّعائي للمبالغة في عظم فوزهم حتّى إن فوز غيرهم بالنسبة إلى فوزهم يُعَدّ كالمعدوم .

والإتيان باسم الإشارة للتنبيه على أنّهم استحقوا الفوز لأجل تلك الأوصاف التي ميزّتهم : وهي الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس .