تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ} (12)

ولما كان في قولهم : { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } حصر للإصلاح في جانبهم - وفي ضمنه أن المؤمنين ليسوا من أهل الإصلاح - قلب الله عليهم دعواهم بقوله : { ألا إنهم هم المفسدون } فإنه لا أعظم فسادا{[44]}  ممن كفر بآيات الله ، وصد عن سبيل الله ، وخادع الله وأولياءه ، ووالى المحاربين لله ورسوله ، وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح ، فهل بعد هذا الفساد فساد ؟ " ولكن لا يعلمون علما ينفعهم ، وإن كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله ، وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض إفسادا ، لأنه يتضمن فساد{[45]}  ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار ، والنبات ، بما{[46]}  يحصل فيها من الآفات بسبب{[47]}  المعاصي ، ولأن الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به ، لهذا خلق الله الخلق ، وأسكنهم في الأرض ، وأدر لهم  الأرزاق{[48]} ، ليستعينوا بها على طاعته [ وعبادته ] ، فإذا عمل فيها بضده ، كان سعيا فيها بالفساد فيها ، وإخرابا لها عما خلقت له .


[44]:- كذا في ب، وفي أ: فسادا.
[45]:- في ب: لأنه سبب فساد.
[46]:- في ب: لما.
[47]:- في ب: التي سببها.
[48]:- في ب: عليهم.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ} (12)

ولقد كذبهم الله - تعالى - تكذيباً مؤكداً في دعواهم أنهم مصلحون فقال : { ألا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ } . فأنت ترى أن القرآن الكريم قد وضع في الرد عليهم جملة صدرها بأداة الاستفتاح إيذاناً بأن ما قالوه يجب أن يهمل إهمالاً ، بل يجب أن يكون وصفهم بالإِفساد قضية مبتدأة مقررة حتى يتلقاها السامع وهو منتبه النفس ، حاصر الذهن .

ثم أكد الجملة بعدة تأكيدات منها : وصل " ألا " " بإن " الدالة على تأكيد الخبر وتحقيقه ، ومنها تأكيد الضمير بضمير منفصل حتى يتم التصاق الخبر بالمبتدأ ، ومنها اسمية الجملة ، ومنها إفادة قصرهم على الإِفساد في مقابل تأكيدهم أنهم هم المصلحون .

ولما كان هذا الرد المؤكد عليهم يستدعي عجباً ، لأنهم زعموا أنهم لا حال لهم إلا الاصلاح ، مع أنهم في الحقيقة لا حال لهم إلا الإفساد ، لما كان الأمر كذلك ، فقد أزال القرآن هذا العجب بقوله : { ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ } . أي : أنهم ما قالوه إلا عن غباء استولى على إحساسهم ، ونفي عنهم الشعور بما يصدر عنهم من الفساد ، فأمسوا لا يدركون من شأن أنفسهم شيئاً ، ومن أسوأ ألوان الجهل أن يكون الإِنسان مفسداً ولا يشعر بذلك ، مع أن أثر فساده ظاهر في العيان ، مرئى لكل ذي حس . فعدم شعورهم بالفساد الواقع منهم منبئ باختلاف آلات إدراكهم ، حتى صاروا يحسبون الفساد صلاحاً ، والشر خيراً . وليس عدم شعورهم رافعاً العقاب عنهم ، لأن الجاهل لا يعذر بجهله خصوصاً إذا كان جهله يزول بأدنى تأمل لوضوح الأدلة ، وسطوع البراهين .

/خ13

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ} (12)

يقول الله : { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ } يقول : ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد ، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادًا .

/خ20

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ} (12)

رد عليهم في غرورهم وحصرهم أنفسهم في الصلاح فرد عليهم بطريق من طرق القصر هو أبلغ فيه من الطريق الذي قالوه لأن تعريف المسند يفيد قصر المسند على المسند إليه فيفيدُ قوله : { ألا إنهم هم المفسدون } قصر الإفساد عليهم بحيث لا يوجد في غيرهم وذلك ينفي حصرهم أنفسهم في الإصلاح وينقضه وهو جار على قانون النقض وعلى أسلوب القصر الحاصل بتعريف الجنس وإن كان الرد قد يكفي فيه أن يقال إنهم مفسدون بدون صيغة قصر ، إلا أنه قُصِر ليفيد ادعاءَ نفي الإفساد عن غيرهم . وقد يفيد ذلك أن المنافقين ليسوا ممن ينتظم في عداد المصلحين لأن شأن المفسد عرفاً أن لا يكون مصلحاً إذ الإفساد هين الحصول وإنما يصد عنه الوازع فإذا خلع المرءُ عنه الوازعَ وأخذ في الإفساد هان عليه الإفساد ثم تكرر حتى يصبح سجية ودأباً لا يكاد يفارق موصوفه .

وحرف { ألا } للتنبيه إعلاناً لوصفهم بالإفساد .

وقد أكد قصر الفساد عليهم بضمير الفصل أيضاً كما أكد به القصر في قوله : { وأولئك هم المفلحون } [ البقرة : 5 ] كما تقدم قريباً . ودخولِ { إِنَّ } على الجملة وقرنِها بأَلاَ المفيدة للتنبيه وذلك من الاهتمام بالخبر وتقويته دلالةً على سخط الله تعالى عليهم فإن أدوات الاستفتاح مثل ألا وأمَا لما كان شأنها أن ينبه بها السامعون دلت على الاهتمام بالخبر وإشاعته وإعلانه ، فلا جرم أن تدل على أبلغية ما تضمنه الخبر من مدح أو ذم أو غيرهما ، ويدل ذلك أيضاً على كمال ظهور مضمون الجملة للعيان لأن أدوات التنبيه شاركت أسماء الإشارة في تنبيه المخاطب .

وقوله : { ولكن لا يشعرون } مَحمَلُه مَحْمَلُ قوله تعالى قبله : { وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون } [ البقرة : 8 ] فإن أفعالهم التي يبتهجون بها ويزعمونها منتهى الحذق والفطنة وخدمةِ المصلحة الخالصة آيلة إلى فساد عام لا محالة إلاَّ أنهم لم يهتدوا إلى ذلك لخفائه وللغشاوة التي ألقيت على قلوبهم من أثر النفاق ومخالطة عظماء أهله ، فإن حال القرين وسخافة المذهب تطمس على العقول النيرة وتَخِفُّ بالأحلام الراجحة حتى تَرى حسناً ما ليس بالحَسَن . وموقع حرف الاستدراك هنا لأن الكلام دَفْع لما أثبتوه لأنفسهم من الخلوص للإصلاح ، فرفع ذلك التوهم بحرف الاستدراك .