نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ} (12)

ولما كان حالهم مبنياً على الخداع بإظهار الخير وإبطان الشر وكانوا يرون إفسادهم لما لهم من عكس الإدراك إصلاحاً فكانوا يناظرون عليه بأنواع الشبه كان قولهم ربما غرّ من سمعه من المؤمنين لأن المؤمن غرّ كريم والكافر خِبّ لئيم فقال تعالى محذراً من حالهم مثبتاً لهم ما نفوه عن أنفسهم من الفساد وقاصراً له عليهم { ألا إنهم هم } أي خاصة { المفسدون } أي الكاملو{[727]} الإفساد البالغون من العراقة فيه ما يجعل إفساد غيرهم بالنسبة إلى إفسادهم عدماً لما في ذلك من خراب ذات البين وأخذ المؤمن من المأمن .

وقال الحرالي : ولما كان حال الطمأنينة بالإيمان إصلاحاً وجب أن يكون اضطرابهم فيه إفساداً لا سيما مع ظنهم أن كونهم مع هؤلاء تارة ومع هؤلاء تارة من الحكمة والإصلاح وهو عين الإفساد لأنه بالحقيقة مخالفة هؤلاء وهؤلاء فقد أفسدوا طرفي الإيمان والكفر ، ولذلك قيل : ما يصلح المنافق ، لأنه لا حبيب مصاف ولا عدو{[728]} مبائن ، فلا يعتقد منه على شيء - انتهى .

ولما كان هذا الوصف موجباً لعظيم الرهبة اتبعه ما يخففه{[729]} بقوله : { ولكن لا يشعرون } أي هم{[730]} في غاية الجلافة حتى لا شعور لهم يحسنون به التصرف فيما يحاولونه من الفساد الآن بما دلت عليه ما في الآية السابقة الدالة على أن المضارع للحال ولا فيما يستقبل من الزمان لأن لا لا تقارنه إلا وهو بمعنى الاستقبال ، فلأجل ذلك لا يؤثر إفسادهم إلا في أذى أنفسهم ، فلا تخافوهم فإني كافيكموهم .


[727]:في مد: الكاملون
[728]:زيد في ظ: مبين
[729]:وفي ظ: يحققه
[730]:وفي تفسير النسفي: لا يشعرون أنهم مفسدون فحذف المفعول للعلم به "إلا" مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي لإعطاء معنى التنبيه على تحقيق ما بعدها، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحققا كقوله تعالى "ليس ذلك بقادر" ولكونها في هذا المنصب من التحقيق لا تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم وقد رد الله ما ادعوه من الانتظام في جملة المصلحين أبلغ رد وأدله على سخط عظيم والمبالغة فيه من جهة الاستئناف وما في "إلا " و "إن" من التأكيد وتعريف الخبر وتوسيط الفصل وقوله "لا يشعرون" - انتهى