وقوله : { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ } " ألا " حرف تنبيه ، واستفتاح ، وليست مركّبة من همزة الاستفهام و " لا " النافية ، بل هي بَسيطَةٌ ، ولكنها لفظ مشترك بين التَّنبيه والاستفتاح ، فتدخل على الجُمْلَة اسميةً كانت أو فعليةً ، وبين العرض والتخصيص ، فتختصّ بالأفعال لفظاً أو تقديراً ، وتكون النافية للجنس دخلت عليها همزة الاستفهام ، ولها أحكام تقدّم بعضها عند قوله تعالى : { لاَ رَيْبَ فِيهِ }
[ البقرة : 2 ] ، وتكون للتَّمَنِّي ، فتجري مجرى " ليت " في بعض أحكامها .
وأجاز بعضهم أن تكون جواباً بمعنى " بَلَى " يقول القائل : ألم يقم زيد ؟ فتقول : " ألا " بمعنى : " بلى قد قام " وهو غريب .
و " إنّهم " إنّ واسمها ، و " هم " تحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أنْ تكون تأكيداً لاسم " إنَّ " ؛ لأن الضَّمير المنفصل المرفوع يجوز أن يؤكد به جميع ضروب الضَّمير المتصل .
وأن تكون فصلاً ، وأن تكون مبتدأ .
و " المفسدون " خبره ، والجملة خبر ب " إن " .
وعلى القولين الأوّلين يكون " المفسدون " وحده خبراً ل " إن " ، وجيء في هذه الجملة بضروب من التأكيد منها : الاستفتاح والتنبيه ، والتَّأكيد ب " إن " ، والإتيان بالتأكيد ، والفَصْل بالضَّمير ، وبالتعريف في الخبر مبالغةً في الرد عليهم فيما ادّعوه من قولهم : { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } ؛ لأنهم أخرجوا الجواب جملةً اسمية مؤكدةً ب " إنما " ليدلّوا بذلك على ثُبُوت الوَصْفِ لهم ، فرد الله عليهم بأبلغ وآكد مما ادعوه .
وقوله : { وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } الواو عاطفة لهذه الجملة على ما قبلها .
و " لكن " معناها الاستدراك{[12]} ، وهو معنى لا يُفَارقها ، وتكون عاطفةً في المفردات{[13]} ، ولا تكون إلاّ بين ضدّين ، أو نقيضين ، وفي الخلافين خلاف ، نحو : " ما قام زيد لكن خرج بكر " ، واستدلّ بعضهم على ذلك بقوله طَرَفَةَ : [ الطويل ]
وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاَعِ لِبَيْتِهِ *** وَلَكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ القَوْمُ أرْفِدِ{[14]}
فقوله : " متى يسترفد القوم أرفد " ليس ضدًّا ولا نقيضاً لما قبله ، ولكنه خلافه .
قال بعضهم : وهذا لا دليل فيه على المدّعى ، لأن قوله : " لستُ بحلاّل التِّلاَع لبيته " كنايةٌ عن نفي البُخْلِ أي : لا أحلّ التِّلاَع لأجل البُخْل .
وقوله : " متى يسترفد القوم أرفد " كناية عن الكَرَمِ ، فكأنه قال : لست بخيلاً ولكن كريماً ، فهي - ها هنا - واقعةٌ بين ضدّين .
ولا تعمل مخففة خلافاً ل " يونس " {[15]} ، ولها أحكام كثيرة .
ومعنى الاسْتِدْرَاك في هذه الآية يحتاج إلى تأمل ونظر ، وذلك أنهم لما نهوا عن اتخاذ مثل ما كانوا يتعاطونه من الإفساد ، فقابلوا ذلك بأنهم مصلحون في ذلك ، وأخبر - تعالى - بأنهم هم المفسدون كانوا حقيقين بأن يعلموا أن ذلك كما أخبر - تعالى - وأنهم لا يدعون بأنهم مصلحون ، فاستدرك عليهم هذا المعنى الذي فَاتَهُمْ من عدم الشعور بذلك .
ومثله قولك : " زيد جاهل ، ولكن لا يعلم " ، وذلك لأنه من حيث اتّصف بالجهل ، وصار الجهل وصفاً قائماً به كان ينبغي أن يعلم بهذا الوَصْف من نفسه ؛ لأن الإنسان له أن يعلم ما اشتملت عليه نفسه من الصفات ، فاستدركت عليه أنَّ هذا الوصف القائم به لا يعلمه مُبَالغة في جهله .
ومفعول " يشعرون " محذوف : إمّا حذف اختصار ، أي : لا يشعرون بأنهم مفسدون ، وإما حذف اقتصار ، وهو الأحسن ، أي : ليس لهم شعور ألبتة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.