إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ} (12)

وصدرت الجملة بحرفي التأكيد ( ألا ) المنبّهة على تحقق ما بعدها ، فإن الهمزة الإنكارية الداخلةَ على النفي تفيد تحقيق الإثبات قطعاً كما في قوله تعالى : { أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ } [ الزمر ، الآية 36 ] ولذلك لا يكاد يقع ما بعدها من الجملة إلا مصدرةً بما يتلقى به القسمُ ، وأختها التي هي ( أمَا ) من طلائع القسم .

وقيل : هما حرفان بسيطان موضوعان للتنبيه والاستفتاح و( إن ) المقرِّرة للنسبة ، وعُرفُ الخبر ووسَطُ ضمير الفصل لردِّ ما في قصر أنفسهم على الإصلاح من التعريض بالمؤمنين . ثم استُدرك بقوله تعالى : { ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ } للإيذان بأن كونهم مفسدين من الأمور المحسوسة ، لكن لا حسَّ لهم حتى يُدركوه ، وهكذا الكلامُ في الشرطيتين الآتيتين وما بعدهما من ردِّ مضمونهما ، ولولا أن المراد تفصيلُ جناياتهم وتعديدُ خبائثهم وهَناتِهم{[25]} ثم إظهارُ فسادِها وإبانة بُطلانها لما فُتح هذا البابُ والله أعلم بالصواب .


[25]:يقال في فلان هنوات أي خصلات شر ولا يقال ذلك في الخير وفي الحديث: ستكون هنات وهنات فمن رأيتموه يمشي في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليفرق جماعتهم فاقتلوه. وهنات أي شرور وفساد وواحدتها هنت وقد تجمع على هنوات وقيل واحدتها هنة تأنيث هن وفي حديث سطيح: ثم تكون هنات وهنات أي شدائد وأمور عظام.