ألا : حرف تنبيه زعموا أنه مركب من همزة الاستفهام ولا النافية للدلالة على تحقق ما بعدها ، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقاً ، كقوله تعالى : { أليس ذلك بقادر } ولكونها من المنصب في هذه لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم ، وقال ذلك الزمخشري .
والذي نختاره أن ألا التنبيهية حرف بسيط ، لأن دعوى التركيب على خلاف الأصل ، ولأن ما زعموا من أن همزة الاستفهام دخلت على لا النافية دلالة على تحقق ما بعدها ، إلى آخره خطاً ، لأن مواقع ألا تدلّ على أن لا ليست للنفي ، فيتم ما ادعوه ، ألا ترى أنك تقول : ألا إن زيداً منطلق ، ليس أصله لا أن زيداً منطلق ، إذ ليس من تراكيب العرب بخلاف ما نظر به من قوله تعالى :
{ أليس ذلك بقادر } لصحة تركيب ، ليس زيد بقادر ، ولوجودها قبل رب وقبل ليت وقبل النداء وغيرها مما لا يعقل فيه أن لا نافية ، فتكون الهمزة للاستفهام دخلت على لا النافية فأفادت التحقيق ، قال امرؤ القيس :
ألا رب يوم لك منهن صالح ***ولاسيما يوم بدارة جلجل
ألا ليت شعري كيف حادث وصلها . *** وكيف تراعي وصلة المتغيب
ألا يا لقومي للخيال المشوق *** وللدار تنأى بالحبيب ونلتقي
ألا يا قيس والضحاك سيرا *** فقد جاوزتما خمر الطريق
إلى غير هذا مما لا يصلح دخول لا فيه .
وأما قوله : لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يلتقي به القسم فغير صحيح ، ألا ترى أن الجملة بعدها تستفتح ، برب ، وبليت ، وبفعل الأمر ، وبالنداء ، وبحبذا ، في قوله :
ولا يلتقي بشيء من هذا القسم وعلامة ألا هذه التي هي تنبيه واستفتاح صحة الكلام دونها ، وتكون أيضاً حرف عرض فيليها الفعل ، وإن وليها الاسم فعلى إضمار الفعل ، وحرف جواب بقول القائل : ألم تقم فتقول : ألا بمعنى بلى ؟ نقل ذلك صاحب كتاب ( وصف المباني في حروف المعاني ) قال : وهو قليل شاذ ، وأما ألا التي للتمني في قولهم : إلا ماء ، فذكرها النحاة في فصل لا الداخل عليها الهمزة .
ولما كانوا قد قابلوا النهي عن الإفساد بدعوى الإصلاح الكاذبة أكذبهم الله بقوله : { ألا إنهم هم المفسدون } ، فأثبت لهم ضد ما ادعوه مقابلاً لهم ذلك في جملة اسمية مؤكدة بأنواع من التأكيد منها : التصدير بأن وبالمجيء بهم ، وبالمجيء بالألف واللام التي تفيد الحصر عند بعضهم .
وقال الجرجاني : دخلت الألف واللام في قوله المفسدون لما تقدم ذكر اللفظة في قوله لا تفسدوا ، فكأنه ضرب من العهد ، ولو جاء الخبر عنهم ولم يتقدم من اللفظة ذكر ، لكان { ألا إنهم هم المفسدون } ، انتهى كلامه ، وهو حسن .
واستفتحت الجملة بألا منبهة على ما يجيء بعدها لتكون الأسماع مصغية لهذا الإخبار الذي جاء في حقهم ، ويحتمل هم أن يكون تأكيداً للضمير في أنهم وإن كان فصلاً ، فعلى هذين الوجهين يكون المفسدون خبراً لأن ، وأن يكون مبتدأ ويكون المفسدون خبره .
والجملة خبر لأن ، وقد تقدم ذكر فائدة الفصل عند الكلام على قوله : { وأولئك هم المفلحون } .
وتحقيق الاستدراك هنا في قوله : { ولكن لا يشعرون } ، هو أن الإخبار عنهم أنهم هم المفسدون يتضمن علم الله ذلك ، فكان المعنى أن الله قد علم أنهم هم المفسدون ، ولكن لا يعلمون ذلك ، فوقعت لكن إذ ذاك بين متنافيين ، وجهة الاستدراك أنهم لما نهوا عن إيجاد مثل ما كانوا يتعاطونه من الإفساد فقابلوا ذلك بأنهم مصلحون في ذلك ، وأخبر الله عنهم أنهم هم المفسدون ، كانوا حقيقين بأن يعلموا أن ذلك كما أخبر الله تعالى ، وأنهم لا يدعون أنهم مصلحون ، فاستدرك عليهم هذا المعنى الذي فاتهم من عدم الشعور بذلك .
تقول : زيد جاهل ولكن لا يعلم ، وذلك أنه من حيث اتصف بالجهل وصار وصفاً قائماً بزيد ، كان ينبغي لزيد أن يكون عالماً بهذا الوصف الذي قام به ، إذ الإنسان ينبغي أن يعلم ما اشتمل عليه من الأوصاف ، فاستدرك عليه بلكن ، لأنه مما كثر في القرآن ويغمض في بعض المواضع إدراكه .
قالوا : ومفعول يشعرون محذوف لفهم المعنى تقديره أنهم مفسدون ، أو أنهم معذبون ، أو أنهم ينزل بهم الموت فتنقطع التوبة ، والأولى الأول ، ويحتمل أن لا ينوي محذوف فيكون قد نفى عنهم الشعور من غير ذكر متعلقه ولا نية ، وهو أبلغ في الذم ، جعلوا لدعواهم ما هو إفساد إصلاحاً ممن انتفى عنه الشعور وكأنهم من البهائم ، لأن من كان متمكناً من إدراك شيء فأهمل الفكر والنظر حتى صار يحكم على الأشياء الفاسدة بأنها صالحة ، فقد انتظم في سلك من لا شعور له ولا إدراك ، أو من كابر وعاند فجعل الحق باطلا ، فهو كذلك أيضاً .
وفي قوله تعالى : { ولكن لا يشعرون } تسلية عن كونهم لا يدركون الحق ، إذ من كان من أهل الجهل فينبغي للعالم أن لا يكترث بمخالفته .
والكلام على قوله تعالى : { وإذا قيل لهم آمنوا } كالكلام على قوله تعالى : { وإذا قيل لهم لا تفسدوا } من حيث عطف هذه الجملة على سبيل الاستئناف ، أو عطفها على صلة من قوله : من يقول ، أو عطفها على يكذبون ، ومن حيث العامل في إذا ، ومن حيث حكم الجملة بعد إذا ، ومن حيث المفعول الذي لم يسم فاعله .
واختلف في القائل لهم آمنوا ، فقال ابن عباس : الصحابة ، ولم يعين أحداً منهم ، وقال مقاتل : قوم مخصوصون منهم وهم : سعد بن معاذ ، وأبو لبابة ، وأسيد بن الحضير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.