وقوله : { وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } من جملة ما يقولونه - أيضا - عند استوائهم على ظهور السفن والإِبل .
أى : تقولون إذا استويتم عليه : سبحان الذى لنا هذا المركب الصعب ، وما كنا بقادرين على تذليله لولا أن الله - تعالى - وفقنا لذلك ، وإنا إلى ربنا وخالقنا لراجعون يوم القيامة ، لكى يحاسبنا على أعمالنا ، ويجازينا عليها بجزائه العادل .
هذا ، وقد ذكر الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات ، جملة من الأحاديث ، منها ما رواه مسلم وأبو داود والنسائى . . " عن عبد الله بن عمر أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثا ثم قال : { سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } . ثم يقول : اللهم إنى أسألك فى سفرى هذا البر والتقوى . ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا السفر . واطولنا البعيد . اللهم أنت الصاحب فى السفر . والخليفة فى الأهل . اللهم اصحبنا فى سفرنا . واخلفنا فى أهلنا " .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ذكرت أنواعا متعددة من مظاهر قدرة الله - تعالى - ، ومن رحمته بعباده ، لكى يخلصوا له العبادة والطاعة .
{ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } أي : لصائرون إليه بعد مماتنا ، وإليه سيرنا الأكبر . وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة ، كما نبه بالزاد الدنيوي على [ الزاد ] {[25999]} الأخروي في قوله : { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [ البقرة : 197 ] وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى : { وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ] } [ الأعراف : 26 ] .
ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة :
حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه :
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا شريك بن عبد الله ، عن أبي إسحاق ، عن علي بن ربيعة قال : رأيت عليا ، رضي الله عنه ، أتى {[26000]} بدابة ، فلما وضع رجله في الرِّكاب قال : باسم الله . فلما استوى عليها قال : الحمد لله ، { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } ثم حمد الله ثلاثا ، وكبر ثلاثا ، ثم قال : سبحانك ، لا إله إلا أنت ، قد ظلمت نفسي فاغفر لي . ثم ضحك فقلت له : من أي شيء ضحكت {[26001]} يا أمير المؤمنين ؟ فقال : رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت {[26002]} ، ثم ضحك . فقلت : مم ضحكت يا رسول الله ؟ فقال : " يعجب الرب{[26003]} من عبده إذا قال : رب اغفر لي . ويقول : علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري " .
وهكذا رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، من حديث أبي الأحوص - زاد النسائي : ومنصور - عن أبي إسحاق السَّبِيعي ، عن علي بن ربيعة الأسدي الوالبي ، به{[26004]} {[26005]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقد قال عبد الرحمن بن مَهْدِيّ ، عن شعبة : قلت لأبي إسحاق السَّبِيعي : ممن سمعت هذا الحديث ؟ قال : من يونس بن خباب . فلقيت يونس بن خباب فقلت : ممن سمعته ؟ فقال : من رجل سمعه من علي بن ربيعة . ورواه بعضهم عن يونس بن خباب ، عن شقيق بن عقبة الأسدي ، عن علي بن ربيعة الوالبي ، به . {[26006]}
حديث عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما :
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا أبو بكر بن عبد الله ، عن علي بن أبي طلحة ، عن عبد الله بن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابته ، فلما استوى عليها كبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، وحمد {[26007]} ثلاثا ، وهلل الله واحدة . ثم استلقى عليه فضحك ، ثم أقبل عليه فقال : " ما من امرئ مسلم يركب دابة فيصنع كما صنعت ، إلا أقبل الله ، عز وجل ، عليه ، فضحك إليه كما ضحكت إليك " . تفرد به أحمد . {[26008]}
حديث عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما :
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن علي بن عبد الله البارقي ، عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثا ، ثم قال : { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } . ثم يقول : " اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى . اللهم ، هون علينا السفر واطو لنا البعيد . اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل . اللهم ، اصحبنا في سفرنا ، واخلفنا في أهلنا " . وكان إذا رجع إلى أهله قال : " آيبون تائبون إن شاء الله ، عابدون ، لربنا حامدون " .
وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي ، من حديث ابن جريج ، والترمذي من حديث حماد بن سلمة ، كلاهما عن أبي الزبير ، به . {[26009]}
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان {[26010]} ، عن أبي لاس الخزاعي قال : حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة إلى الحج . فقلنا : يا رسول الله ، ما نرى {[26011]} أن تحملنا هذه ! فقال : " ما من بعير إلا في ذروته شيطان ، فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما آمركم{[26012]} ، ثم امتهنوها لأنفسكم ، فإنما يحمل الله عز وجل " . {[26013]}
أبو لاس اسمه : محمد بن الأسود بن خَلَف .
قال أحمد : حدثنا عَتَّاب ، أخبرنا عبد الله( ح ) وعلي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله - يعني ابن المبارك - أخبرنا أسامة بن زيد ، أخبرني محمد بن حمزة ، أنه سمع أباه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " على ظهر كل بعير شيطان ، فإن ركبتموها فسموا الله ، عز وجل ، ثم لا تقصروا عن حاجاتكم " . {[26014]}
والانقلاب : الرجوع إلى المكان الذي يفارقه . والجملة معطوفة على جملة التنزيه عطف الخبر على الإنشاء . وفي هذا تعريض بتوبيخ المشركين على كفران نعمة الله بالإشراك وبنسبة العجز عن الإحياء بعد الموت لأن المعنى : وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتشكروا بالقلب واللّسان فلم تفعلوا ، ولملاحظة هذا المعنى أُكد الخبر . وفيه تعريض بالمؤمنين بأن يقولوا هذه المقالة كما شكروا لله ما سخر لهم من الفلك والأنعام . وفيه إشارة إلى أن حق المؤمن أن يكون في أحواله كلها ملاحظاً للحقائق العالية ناظراً لتقلبات الحياة نظر الحكماء الذين يستدلون ببسائط الأمور على عظيمها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.