تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

ومنها : أن الأنثى ناقصة في وصفها ، وفي منطقها وبيانها ، ولهذا قال تعالى : { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ } أي : يجمل فيها ، لنقص جماله ، فيجمل بأمر خارج عنه ؟ { وَهُوَ فِي الْخِصَامِ } أي : عند الخصام الموجب لإظهار ما عند الشخص من الكلام ، { غَيْرُ مُبِينٍ } أي : غير مبين لحجته ، ولا مفصح عما احتوى عليه ضميره ، فكيف ينسبونهن للّه تعالى ؟

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

ثم أضاف - سبحانه - إلى تبكيتهم السابق تبكيتا آخر فقال : { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ } .

والاستفهام للإِنكار . وكلمة { مَن } عبارة عن جنس الإِناث . وهى فى محل نصب بمضمر معطوف على { جَعَلُواْ } و { يُنَشَّأُ } يربى وينشأ . يقال : نشأ فلان فى بنى فلان ، إذا شب وترعرع فيهم و { الحلية } : اسم لما يتحلى ويتزين به .

أى : أيجترئون ويجعلون لله - تعالى - الإِناث ، اللائى من شأنهم أن ينشأن فى الزينة ، لأن هذه الحياة هى المناسبة لهن ولتكوينهن الجسدى ، واللائى من شأن معظمهن أنهن لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهن لضعفهن وقصورهن فى الجدال وفى بيان الحجة التى ترد الخصم ، وتزيل الشبهة . . .

فالمقصود من الاية الكريمة تأنيب هؤلاء المشركين على جهلهم وسوء أدبهم ، حيث إنهم نسبوا إلى الله - تعالى - الإِناث اللائى من شأنهن النشأة فى الحلية والدعة والنعومة ، فصرن بمقتضى هذه النشأة ، وبمقتضى تكوينهن البدنى والعقلى ، لا يقدرن على جدال أو قتال . . بينهما نسبوا إلى أنفسهم الذكور الذين هم قوامون على النساء .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

ثم قال : { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } أي : المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة ، وإذا خاصمت فلا عبارة لها ، بل هي عاجزة عَيِيَّة ، أوَ مَنْ يكون هكذا ينسب إلى جناب الله عز وجل{[26016]} ؟ ! فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن ، في الصورة والمعنى ، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ، ليجبر ما فيها من نقص ، كما قال بعض شعراء العرب :

وَمَا الحَلْي إلا زينَةٌ من نقيصةٍ *** يتمّمُ من حُسْن إذا الحُسْن قَصَّرا

وأمَّا إذَا كان الجمالُ موفَّرا*** كحُسْنك ، لم يَحْتَجْ إلى أن يزَوَّرا

وأما نقص معناها ، فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار ، لا عبارة لها ولا همة ، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت : " ما هي بنعم الولد : نصرها بالبكاء ، وبرها سرقة " .


[26016]:- (1) في ت: "الله تعالى"، وفي م، أ: "الله العظيم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

عطف إنكارٍ على إنكار ، والواو عاطفة الجملة على الجملة وهي مؤخرة عن همزة الاستفهام لأن للاستفهام الصدْر وأصل الترتيب : وَأَمَنْ ينشأ . وجملة الاستفهام معطوفة على الإنكار المقدّر بعدَ { أم في قوله : { أم اتخذ ممّا يخلق بناتٍ } [ الزخرف : 16 ] ، ولذلك يكون { من ينشؤا في الحلية } في محل نصب بفعل محذوف دلّ عليه فعل { اتخذ في قوله : { أم اتخذ مما يخلق بنات } [ الزخرف : 16 ] . والتقدير : أأتّخذ مَن ينشأ في الحلية الخ . ولك أن تجعل { من ينشؤا في الحلية } بدلاً من قوله { بنات بدلاً مطابقاً وأبرز العامل في البدل لتأكيد معنى الإنكار لا سيما وهو قد حذف من المبدل منه . وإذ كان الإنكار إنما يتسلط على حكم الخبر كان موجب الإنكار الثاني مغايراً لموجب الإنكار الأول وإن كان الموصوف بما لوصفين اللذيْن تعلق بهما الإنكار موصوفاً واحداً وهو الأنثى .

ونَشْءُ الشيء في حالةٍ أن يكون ابتداءُ وجوده مقارناً لتلك الحالة فتكون للشيء بمنزلة الظرف . ولذلك اجتلب حرف في } الدّالة على الظرفية وإنما هي مستعارة لِمعنى المصاحبة والملابسة فمعنى { من ينشؤا في الحلية } مَن تُجعل له الحلية من أول أوقات كونه ولا تفارقُه ، فإن البنت تُتَّخَذُ لها الحلية من أول عمرها وتستصحب في سائر أطوارها ، وحسبك أنها شُقّت طرفا أذنيها لتجعل لها فيهما الأقراط بخلاف الصبي فلا يُحلّى بمثل ذلك وما يستدام له . والنَّشْءُ في الحلية كناية عن الضعف عن مزاولة الصعاب بحسب الملازمة العُرفية فيه . والمعنى : أن لا فائدة في اتخاذ الله بنات لا غناء لهن فلا يحصل له باتخاذها زيادة عِزّة ، بناء على متعارفهم ، فهذا احتجاج إقناعي خطابي .

و { الخصام } ظاهره : المجادلة والمنازعة بالكلام والمحاجّة ، فيكون المعنى : أن المرأة لا تبلغ المقدرة على إبانة حجتها . وعن قتادة : ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتْها على نفسها ، وعنه : { من ينشأ في الحلية } هنّ الجواري يسفِّههن بذلك ، وعلى هذا التفسير درج جميع المفسرين .

والمعنى عليه : أنّهن غير قوادر على الانتصار بالقول فبلأولى لا يقدرْنَ على ما هو أشد من ذلك في الحرب ، أي فلا جدوى لاتّخاذهن أولاداً .

ويجوز عندي : أن يحمل الخصامُ على التقاتل والدّفاع باليد فإن الخصم يطلق على المُحارب ، قال تعالى : { هذان خصمان اختصموا في ربّهم } [ الحج : 19 ] فُسِّر بأنهم نفر من المسلمين مع نفر من المشركين تقاتلوا يوم بدر .

فمعنى { غير مبين } غيرُ محقق النصر . قال بعض العرب وقد بُشر بولادة بنت : « والله ما هي بِنِعْمَ الولدُ بزُّها بكاء ونصرها سرقة » .

والمقصود من هذا فضح معتقدهم الباطل وأنهم لا يحسنون إعمال الفكر في معتقداتهم وإلا لكانوا حين جعلوا لله بنوة أن لا يجعلوا له بنوة الإناث وهم يُعدّون الإناث مكروهات مستضعفات . وتذكير ضمير { وهو في الخصام } مراعاة للفظ { مَن } الموصولة .

و { الحلية } : اسم لما يُتحلّى به ، أي يُتزين به ، قال تعالى : { وتستخرجون منه حلية تلبسونها } [ النحل : 14 ] .

وقرأ الجمهور { يَنشأ } بفتح الياء وسكون النون . وقرأه حفص وحمزة والكسائي { يُنَشَّأُ } بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ومعناه : يعوده على النشأة في الحلية ويربّى .