تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

{ 19 - 21 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ * وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ }

ينبه تعالى عباده بأنه { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقَّ } أي : ليعبده الخلق ويعرفوه ، ويأمرهم وينهاهم وليستدلوا بهما وما فيهما على ما له من صفات الكمال ، وليعلموا أن الذي خلق السماوات والأرض -على عظمهما وسعتهما- قادر على أن يعيدهم خلقا جديدا ، ليجازيهم بإحسانهم وإساءتهم ، وأن قدرته ومشيئته لا تقصر عن ذلك ولهذا قال : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ }

يحتمل أن المعنى : إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم غيركم يكونون أطوع لله منكم ، ويحتمل أن المراد أنه : إن يشأ يفنيكم ثم يعيدهم بالبعث خلقا جديدا ، ويدل على هذا الاحتمال ما ذكره بعده من أحوال القيامة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ، بعض مظاهر قدرته التى لا يعجزها شئ فقال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله خَلَقَ السماوات والأرض بالحق إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ } .

والخطاب فى قوله { أَلَمْ تَرَ . . . } لكل من يصلح له بدون تعيين . والاستفهام للتقرير .

والرؤية مستعملة فى العلم الناشئ عن النظر والتفكير والتأمل فى ملكوت السموات والأرض .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ . . . } هذا التعبير قد يذكر لمن تقدم عمله فيكون للتعجب ، وقد يذكر لمن لا يكون كذلك ، فيكون لتعريفه وتعجيبه ، وقد اشتهر فى ذلك حتى أجرى مجرى المثل فى هذا الباب ، بأن شبه من لم ير الشئ بحال من رآه فى أنه لا ينبغى أن يخفى عليه ، وأنه ينبغى أن يتعجب منه ، ثم أجرى الكلام معه ، كما يجرى مع من رأى ، قصداً إلى المبالغة فى شهرته وعراقته فى التعجب .

. .

والمعنى ؛ ألم تعلم - أيها العاقل - أن الله - تعالى - { خَلَقَ السماوات والأرض بالحق } أى : خلقهما بالحكمة البالغة المنزهة عن العبث ، وبالوجه الصحيح الذى تقتضيه إرادته ، وهو - سبحانه - { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أى - يهلككم أيها الناس - { وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيد } سواكم ، لأن القادر على خلق السموات والأرض وما فيهما من أجرام عظيمة ، يكون على خلق غيرهما أقدر ، كما قال - تعالى - { لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس . . . }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

يقول تعالى مخبرًا عن قدرته على معاد الأبدان يوم القيامة ، بأنه خلق السموات والأرض التي هي أكبر من خلق الناس ، أفليس الذي قدر على خلق هذه السموات ، في ارتفاعها واتساعها وعظمتها وما فيها من الكواكب الثوابت والسيارات ، والحركات المختلفات ، والآيات الباهرات ، وهذه الأرض بما فيها من مهاد ووهاد وأوتاد ، وبراري وصحارى وقفار ، وبحار وأشجار ، ونبات وحيوان ، على اختلاف أصنافها ومنافعها ، وأشكالها وألوانها ؛ { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الأحقاف : 33 ] ، وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ يس : 77 - 83 ] .

وقوله : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي : بعظيم ولا ممتنع ، بل هو سهل عليه إذا خالفتم أمره ، أن يذهبكم ويأتي بآخرين على غير صفتكم ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } [ فاطر : 15 - 17 ] ،

وقال : { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [ محمد : 38 ] ، وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] ، وقال : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا } [ النساء : 133 ] .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

وقرأ السلمي : «ألم تر » بسكون الراء ، بمعنى ألم تعلم من رؤية القلب . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر : «خلق السماوات » وقرأ حمزة والكسائي «خالق السماوات » فوجه الأولى : أنه فعل قد مضى ، فذكر كذلك ، ووجه الثانية : أنه ك { فاطر السماوات والأرض }{[7042]} [ الأنعام : 14 يوسف : 101 إبراهيم : 10 الزمر : 46 الشورى : 11 ] و { فالق الإصباح }{[7043]} [ الأنعام : 96 ] .

وقوله : { بالحق } أي بما يحق في جوده ، ومن جهة مصالح عباده ، وإنفاذ سابق قضائه ، ولتدل عليه وعلى قدرته . ثم توعد تبارك وتعالى بقوله : { إن يشأ يذهبكم } أي يعدمكم ويطمس آثاركم . وقوله : { بخلق جديد } يصح أن يريد : من فرق بني آدم ، ويصح غير ذلك .


[7042]:من الآية (1) من سورة (فاطر).
[7043]:من الآية (95) من سورة (الأنعام).