تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (81)

ثم بينها بقوله : { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ْ } أي : كيف تذرون النساء اللاتي خلقهن اللّه لكم ، وفيهن المستمتع الموافق للشهوة والفطرة ، وتقبلون على أدبار الرجال ، التي هي غاية ما يكون في الشناعة والخبث ، ومحل تخرج منه الأنتان والأخباث ، التي يستحيي من ذكرها فضلا عن ملامستها وقربها ، { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ْ } أي : متجاوزون لما حده اللّه متجرئون على محارمه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (81)

ثم أضاف لوط إلى إنكاره على قومه إنكارا آخر وتوبيخا أشنع فقال : { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النسآء } .

أى : إنكم إيها القوم الممسوخون في طبائعكم حيث تأتون الرجال الذين خلقهم الله ليأتوا النساء ، ولا حامل لكم على ذلك إلا مجرد الشهوة الخبيثة القذرة .

والاتيان : كناية عن الاستمتاع والجماع . من أتى المرأة إذا غشيها .

وفى إيراد لفظ { الرجال } دون الغلمان والمردان ونحوهما ، مبالغة في التوبيخ والتقريع .

قال صاحب الكشاف : و { شَهْوَةً } مفعول له ، أى للاشتهاء ولا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة من غير داع آخر . ولا ذم أعظم منه ، لأنه وصف لهم بالبهيمية ، وأنه لا داعى لهم من جهة العقل البتة كطلب النسل ونحوه .

أو حال بمعنى مشتهين تابعين للشهوة غير متلفتين إلى السماحة " .

وقوله : { مِّن دُونِ النسآء } حال من الرجال أو من الواو في تأتون ، أى : تأتون الرجال حالة كونكم تاركين النساء اللائي هن موضع الاشتهاء عند ذوى الطبائع السليمة ، والأخلاق المستقيمة .

قال الجمل : وإنما ذمهم وعيرهم ووبخهم بهذا الفعل الخبيث ، لأن الله - تعالى - خلق الإنسان وركب فيه شهوة النكاح لبقاء النسل وعمران الدنيا ، وجعل النساء محلا للشهوة وموضعا للنسل . فإذا تركهن الإنسان وعدل عنهن إلى غيرهن من الرجال فقد أسرف وجاوز واعتدى ، لأنه وضع الشىء في غير محله وموضعه الذي خلق له ، لأن أدبار الرجال ليست محلا للولادة التي هى مقصودة بتلك الشهوة للإنسان " .

وقوله : { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عن الأسباب التي جعلتهم يرتكبون هذه القبائح ، وهى أنهم قوم عادتهم الاسراف وتجاوز الحدود في كل شىء .

أى : أنتم أيها القوم لستم ممن يأتى الفاحشة مرة ثم يهجرها ويتوب إلى الله بل أنتم قوم مسرفون فيها وفى سائر أعمالكم ، لا تقفون عند حد الاعتدال في عمل من الأعمال .

وقد حكى القرآن أن لوطا - عليه السلام - قال لهم في سورة العنكبوت : { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر } وقال لهم في سورة النمل : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } أى : متجاوزون لحدود الفطرة وحدود الشريعة .

وقال لهم في سورة النمل : { أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } وهو يشمل الجهل الذي هو ضد العلم ، والجهل الذي هو بمعنى السفه والطيش .

ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مصابين بفساد العقل ، وانحطاط الخلق ، وإيثار الغى والعدوان على الرشاد والتدبر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (81)

يقول تعالى : { وَ } قَدْ أَرْسَلْنَا { لُوطًا } أو تقديره : { وَ } اذكر { لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ }

ولوط هو ابن هاران بن آزر ، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل ، عليهما{[11947]} السلام ، وكان قد آمن مع إبراهيم ، عليه السلام ، وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله [ تعالى ]{[11948]} إلى أهل " سَدُوم " وما حولها من القرى ، يدعوهم إلى الله ، عز وجل ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ، لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم ، وهو إتيان الذكور . وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ، ولا يخطر ببالهم ، حتى صنع ذلك أهل " سَدُوم " عليهم لعائن الله .

قال عمرو بن دينار : قوله : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } قال : ما نزا ذَكَر على ذَكَر ، حتى كان قوم لوط .

وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي ، باني جامع دمشق : لولا أن الله ، عز وجل ، قص علينا خبر لوط ، ما ظننت أن ذكرًا يعلو ذكرًا .

ولهذا قال لهم لوط ، عليه السلام : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ } أي : عدلتم{[11949]} عن النساء ، وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال ، وهذا إسراف منكم وجهل ؛ لأنه وضع الشيء في غير محله ؛ ولهذا قال لهم في الآية الأخرى : { [ قَالَ ]{[11950]} هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [ الحجر : 71 ] فأرشدهم إلى نسائهم ، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن ، { قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [ هود : 79 ] أي : لقد علمت أنه لا أرَبَ لنا في النساء ، ولا إرادة ، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك .

وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى{[11951]} بعضهم ببعض ، وكذلك نساؤهم كن قد استغنى{[11952]} بعضهن ببعض أيضًا .


[11947]:في ك، أ: "عليه".
[11948]:زيادة من أ.
[11949]:في د، م: "أعدلتم".
[11950]:زيادة من أ.
[11951]:في ك، م: "اغتني".
[11952]:في ك: "استغنين".

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (81)

وقرأ نافع والكسائي وحفص عن عاصم «أنكم » على الخبر كأنه فسر { الفاحشة } وقرأ ابن كثير أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة : «أإنكم » باستفهام آخر ، وهذا لأن الأول استفهام عن أمر مجمل والثاني عن مفسر ، إلا أن حمزة وعاصماً قرءا بهمزتين ، ولم يهمز أبو عمر وابن كثير إلا واحدة .

و { شهوة } : نصب على المصدر من قولك شهيت الشيء شهاه ، والمعنى تدعون الغرض المقصود بالوطء وهو ابتغاء ما كتب الله من الوالد وتنفردون بالشهوة فقط ، وقوله : { بل أنتم } إضراب عن الإخبار عنهم أو تقريرهم على المعصية وترك لذلك إلى الحكم عليهم بأنهم قوم قد تجاوزوا الحد وارتكبوا الحظر ، والإسراف الزيادة المفسدة .