تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

{ قَالَ ْ } لهم { مُوسَى ْ } - موبخا لهم عن ردهم الحق ، الذي لا يرده إلا أظلم الناس : - { أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ْ } أي : أتقولون إنه سحر مبين .

{ أَسِحْرٌ هَذَا ْ } أي : فانظروا وصفه وما اشتمل عليه ، فبمجرد ذلك يجزم بأنه الحق . { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ْ } لا في الدنيا ، ولا في الآخرة ، فانظروا لمن تكون له العاقبة ، ولمن له الفلاح ، وعلى يديه النجاح . وقد علموا بعد ذلك وظهر لكل أحد أن موسى عليه السلام هو الذي أفلح ، وفاز بظفر الدنيا والآخرة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

ثم حكى القرآن الكريم رد موسى - عليه السلام - على مفترياتهم فقال : { قَالَ موسى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون } .

وفى الآية الكريمة كلام محذوف دل عليه المقام ، والتقدير :

قال موسى لفرعون وملئه منكرا عليهم غرورهم وكذبهم ، { أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ } الذي هو أبعد ما يكون عن السحر ، حين مشاهدتكم له .

يا سبحانن الله ! ! أفلا عقل لكم يحجزكم عن هذا القول الذي يدل على الجهالة والغباء ، انظروا وتأملوا { أَسِحْرٌ هذا } الذي ترون حقيقته بأعينكم ، وترتجف من عظمته قلوبكم ، والحال أنه { وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون } في أى عمل من شأنه أن يهدى إلى الخير والحق .

فقد حذفت جملة { إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } لدلالة قوله { أَسِحْرٌ هذا } عليه .

قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : هم قطعوا بقولهم : إن هذا لسحر مبين ، على أنه سحر فكيف قيل لهم أتقولون : أسحر هذا ؟

قلت : فيه أوجه : أن يكون معنى قوله { أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ } : أتعيبونه وتطعنون فيه ، وكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه ، من قولهم : فلان يخاف القالة ، وبين الناس تقاول ، إذا قال بعضهم لبعض ما يسوءه .

وأن يحذف مفعول أتقولون وهو ما دل عليه قولهم : { إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } كأنه قيل : أتقولون ما تقولون : يعنى قولهم : إن هذا لسحر مبين ، ثم قيل : أسحر هذا ؟

وأن يكون جملة قوله " أسحر هذا ولا يفلح الساحرون " حكاية لكلامهم ، كأنهم قالوا أجئتما إلينا بالسحر تطلبان به الفلاح { وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون . . } .

وقال الجمل : " قوله - تعالى - { قَالَ موسى أَتقُولُونَ . . } أى : قال جملا ثلاثة : الأولى : { أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ } والثانية { أَسِحْرٌ هذا } والثالثة { وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون } .

وقوله { الحق } أى في شأنه ولأجله ، وقوله { لَمَّا جَآءَكُمْ } أى : حين مجيئه إياكم من أول الأمر من غير تأمل وتدبر ، وهذا مما ينافي القول المذكور .

وقوله : { قَالَ موسى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ } هنا مقول القول محذوف لدلالة ما قبله عليه ، وإِشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتفوه به .

وقوله - سبحانه - حكاية عن موسى { أَسِحْرٌ هذا } مبتدأ وخبر ، وهو استفهام إنكار مستأنف من جهته - عليه السلام - تكذيبا لقولهم ، وتوبيخا إثر توبيخ ، وتجهيلا بعد تجهيل .

وقوله : { وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون } جملة حالية من ضمير المخاطبين ، وقد جئ بها تأكيدا للإِنكار السابق ، وما فيه من معنى التوبيخ والتجهيل .

أى : أتقولون للحق إنه سحر ، والحال أنه لا يفلح فاعله ، أى : لا يظفر بمطلوب ، ولا ينجو من مكروه ، وأنا قد أفلحت ، وفزت بالحجة ، ونجوت من الهلكة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

يقول تعالى : { ثُمَّ بَعَثْنَا } من بعد تلك الرسل { مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } أي : قومه . {[14341]} { بِآيَاتِنَا } أي : حجَجنا وبراهيننا ، { فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } أي : استكبروا عن اتباع الحق والانقياد له ، { فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ } كأنهم - قبَّحهم الله - أقسموا على ذلك ، وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان ، كما قال تعالى : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [ النمل : 14 ] .

{ قَاَلَ } لهم { مُوسَى } منكرا عليهم : { أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا } أي : تثنينا { عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } أي : الدّين الذي كانوا عليه ، { وَتَكُونَ لَكُمَا } أي : لك ولهارون { الْكِبْرِيَاء } أي : العظمة والرياسة { فِي الأرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } .

وكثيرًا ما يذكر الله تعالى قصة موسى ، عليه السلام ، مع فرعون في كتابه العزيز ؛ لأنها من أعجب القصص ، فإن فرعون حَذر من موسى كل{[14342]} الحذر ، فسخره القدر أن رَبَّى هذا الذي يُحذَّر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد ، ثم ترعرع وعقد الله له سببا أخرجه من بين أظهرهم ، ورزقه النبوة والرسالة والتكليم ، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى ليعبده{[14343]} ويرجع إليه ، هذا ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان ، فجاءه برسالة الله ، وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه{[14344]} السلام ، فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية ، والنفس الخبيثة الأبية ، وقوى رأسه وتولّى بركنه ، وادعى ما ليس له ، وتجهرم على الله ، وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل ، والله تعالى يحفظ رسوله موسى وأخاه هارون ، ويحوطهما ، بعنايته ، ويحرسهما بعينه التي لا تنام ، ولم تزل{[14345]} المحاجة والمجادلة والآيات تقوم على يدي موسى شيئا{[14346]} بعد شيء ، ومرة{[14347]} بعد مرة ، مما يبهر العقول ويدهش الألباب ، مما لا يقوم له شيء ، ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله ، وما تأتيهم من آية إلا هي أكبر من أختها ، وصمم فرعون وَمَلَؤه - قبحهم الله - على التكذيب بذلك كله ، والجحد والعناد والمكابرة ، حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يُرَد ، وأغرقهم في صبيحة{[14348]} واحدة أجمعين ، { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الأنعام : 45 ] .


[14341]:- في ت ، أ : "أي إلى قومه".
[14342]:- في أ : "من".
[14343]:- في ت ، أ : "فيعبده".
[14344]:- في ت ، أ : "عليهما".
[14345]:- في ت : "ولم يزل".
[14346]:- في ت : "شيء".
[14347]:- في ت : "وكره".
[14348]:- في ت : "صيحة".

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

{ قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم } إنه لسحر فحذف المحكي المقول لدلالة ما قبله عليه ، ولا يجوز أن يكون . { أسحر هذا } لأنهم بتوا القول بل هو استئناف بإنكار ما قالوه اللهم إلا أن يكون الاستفهام فيه للتقرير والمحكي مفهوم قولهم ، ويجوز أن يكون معنى { أتقولون للحق } أتعيبونه من قولهم فلان يخاف القالة كقوله تعالى : { سمعنا فتى يذكرهم } فيستغني عن المفعول .

{ ولا يفلح الساحرون } من تمام كلام موسى للدلالة على أنه ليس بسحر فإنه لو كان سحرا لاضمحل ولم يبطل السحرة ، ولأن العالم بأنه لا يفلح الساحر لا يسحر ، أو من تمام قولهم إن جعل أسحر هذا محكيا كأنهم قالوا أجئتنا بالسحر تطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

ثم حكى عن موسى أنه وقفهم ووبخهم بقوله { أتقولون للحق لما جاءكم } ثم اختلف المتأولون في قوله { أسحر هذا } فقالت فرقة : هو حكاية من موسى عنهم على معنى أن قولهم كان { أسحر هذا } ثم اختلف في معنى قول قوم فرعون : { أسحر هذا } فقال بعضهم : قالها منهم كل مستفهم جاهل بالأمر فهو يسأل عنه .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل يضعفه ما ذكر الله قبل عنهم من أنهم صمموا على أنه سحر بقولهم : { إن هذا لسحر مبين } وقال بعضهم بل قالوا ذلك على معنى التعظيم للسحر الذي رأوه بزعمهم كما تقول لفرس تراه يجيد الجري : أفرس هذا ؟ على معنى التعجب منه والاستغراب وأنت قد علمت أنه فرس ، وقالت فرقة غير هاتين : ليس ذلك حكاية من موسى عنهم بل القول الذي حكاه عنهم مقدر تقديره أتقولون للحق لما جاءكم سحر .

قال القاضي أبو محمد : أو نحو هذا من التقدير ، ثم ابتدأ يوقفهم بقوله : { أسحر هذا } على جهة التوبيخ ، ثم أخبرهم عن الله تعالى أن الساحرين لا يفلحون ولا يظفرون ببغية ، ومثل هذا التقدير المحذوف على هذا التأويل موجود في كلام العرب ، ومنه قول ذي الرمة :

فلما لبسن الليل أو حين نصّبت*** له من خذا آذانها وهو جانح{[6187]}

يريد أو حين قاربن ذلك ، ومنه قول الله تعالى : { فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم }{[6188]} المعنى بعثناهم ليسوءوا ، ومثل هذا كثير شائع .


[6187]:- البيت في الديوان، وقوله: "لبسن الليل": أدلجن فيه وسترهن حتى صار لباسا لهن، و"خذا آذانها": استرخاؤها، والأخذى: المسترخي الأذن، والجانح هو الليل، يقال: جنح الليل بمعنى: مال للذهاب أو المجيء
[6188]:- من الآية (7) من سورة (الإسراء).