{ قَالَ موسى } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال تنساق إليه الأذهانُ كأنه قيل : فماذا قال لهم موسى حينئذٍ ؟ فقيل : قال على طريقة الاستفهامِ الإنكاريِّ التوبيخيِّ : { أَتقُولُونَ لِلْحَقّ } الذي هو أبعدُ شيءٍ من السحر الذي هو الباطلُ البحتُ { لَمَّا جَاءكُمْ } أي حين مجيئِه إياكم ووقوفِكم عليه أو من أول الأمر من غير تأمل وتدبرٍ ، وكلا الحالين مما ينافي القولَ المذكور ، والمقولُ محذوفٌ ثقةً بدِلالة ما قبله وما بعده عليه وإيذاناً بأنه مما لا ينبغي أن يُتفوَّه به ولو على نهج الحكاية ، أي أتقولون له ما تقولون من أنه سحرٌ يعني به أنه مما لا يمكن أن يقوله قائلٌ ويتكلمَ به متكلمٌ أو القول بمعنى العيب والطعن ، من قولهم : فلان يخاف القالَةَ ، وبين الناسِ تقاولٌ إذا قال بعضهم لبعض ما يسوؤه ونظيرُه الذكرُ في قوله تعالى : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } [ الأنبياء ، الآية 60 ] الخ ، فيُستغنى عن المفعول أي أتعيبونه وتطعنون فيه وعلى الوجهين فقوله عز وجل : { أَسِحْرٌ هذا } إنكارٌ مستأنفٌ من جهته عليه السلام لكونه سحراً وتكذيبٌ لقولهم وتوبيخٌ لهم على ذلك إثرَ توبيخٍ وتجهيلٌ بعد تجهيلٍ ، أما على الأول فظاهرٌ وأما على الثاني فوجهُ إيثارِ إنكارِ كونه سحراً على إنكار كونِه معيباً بأن يقال مثلاً : أفيه عيبٌ حسبما يقتضيه ظاهرُ الإنكارِ السابق التصريحَ بالرد عليهم في خصوصية ما عابوه به بعد التنبيهِ بالإنكار السابقِ على أن ليس فيه شائبةُ عيبٍ ما وما في هذا من معنى القربِ لزيادة تعيينِ المشارِ إليه واستحضارِ ما فيه من الصفات الدالةِ على كونه آيةً باهرةً من آيات الله المناديةِ على امتناع كونِه سحراً أي أسحرٌ هذا الذي أمرُه واضحٌ مكشوفٌ وشأنُه مشاهَدٌ معروفٌ بحيث لا يرتاب فيه أحدٌ ممن له عين مبُصِرةٌ وتقديمُ الخبر للإيذان بأنه مُنْصَبُّ الإنكارِ ولما استلزَم كونُه سحراً كونَ من أتى به ساحراً أكِّد الإنكارُ السابق وما فيه من التوبيخ والتجهيل بقوله عز وجل : { وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون } وهو جملةٌ حالية من ضمير المخاطَبين والرابطُ هو الواو بلا ضمير كما في قول من قال : [ الكامل ]
جاء الشتاءُ ولست أملِك عُدّةً *** . . .
وقولِك : جاء وحده زيدٌ ولم تطلُع الشمس أي أتقولون للحق إنه سحرٌ والحالُ أنه لا يُفلح فاعلُه أي لا يظفَر بمطلوب ولا ينجو من مكروه فكيف يمكن صدورُه من مثلي من المؤيَّدين من عند الله العزيزِ الحكيم الفائزين بكل مطلب الناجين من كل محذورٍ وقوله تعالى : { أَسِحْرٌ هذا } جملةٌ معترضةٌ بين الحال وصاحبِها أكّد بها الإنكارُ السابقُ ببيان استحالةِ كونه سحراً بالنظر إلى ذاته قبل بيانِ استحالتِه بالنظر إلى صدوره عنه عليه السلام هذا ، وأما تجويزُ أن يكون الكلُّ مقولَ القولِ على أن المعنى أجئتما السحر تطلُبان به الفلاحَ ولا يفلح الساحرون ؟ فمما لا يساعده النظمُ الكريم أصلاً أما أولاً فلأن ما قالوا هو الحكمُ بأنه سحرٌ من غير أن يكون فيه دِلالةٌ على ما تعسف فيه من المعنى بوجه من الوجوه فصرفُ جوابِه عليه السلام عن صريح ما خاطبوه به إلى ما لا يُفهم منه أصلاً مما يجب تنزيهُ النظمِ التنزيليِّ عن الحمل على أمثاله وأما ثانياً فلأن التعرضَ لعدم إفلاحِ السحرةِ على الإطلاق من وظائف من يتمسك بالحق المبينِ دون الكثرةِ المتشبثين بأذيال بعضٍ منهم في معارضته عليه السلام ولو كان ذلك من كلامهم لناسب تخصيصَ عدم الإفلاح بمن زعموه ساحراً بناءً على غلبة من يأتون به من السحرة . وأما ثالثاً فلأن قولَه عز وجل : { قَالُواْ أَجِئْتَنَا } الخ ، مسوقٌ لبيان أنه عليه السلام ألقمهم الحجرَ فانقطعوا عن الإتيان بكلام له تعلقٌ بكلامه عليه السلام فضلاً عن الجواب الصحيحِ واضطروا إلى التشبّث بذيل التقليدِ الذي هو دأبُ كل عاجزٍ محجوجٍ وديدنُ كلِّ عاجزٍ على أنه استئنافٌ وقع جواباً عما قبله من كلامه عليه السلام على طريقة قوله تعالى : { قَالَ موسى } الخ ، حسبما أشير إليه ، كأنه قيل : فماذا قالوا لموسى عليه السلام عندما قال لهم ما قال ؟ فقيل : قالوا عاجزين عنه المحاجّة : أجئتنا { لِتَلْفِتَنَا }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.