نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

فلما قالوا ذلك كان كأنه قيل : فماذا أجابهم ؟ فأخبر أنه أنكر عليهم ، بقوله : { قال موسى } ولما كان تكريرهم لذلك القول أجدر بالإنكار ، عبر بالمضارع الدال على أنهم كرروه لينسخوا ما ثبت في قلوب الناس من عظمته { أتقولون للحق } ونبه على أنهم بادروا إلى التكذيب من غير نظر ولا توقف بقوله : { لما جاءكم } أي هذا القول الذي قلتموه وهو أنه سحر{[38299]} ، فإن القول يطلق على المكروه ، تقول{[38300]} : فلان قال في فلان ، أي{[38301]} ذمه ، وفلان يخاف القالة{[38302]} ، وبين الناس تقاول ؛ ثم كرر الإنكار بقوله : { أسحر هذا } أي الذي هو في غاية الثبات والمخالفة للسحر في جميع الصفات حتى تقولون فيه ذلك . فالآية من الاحتباك : ذكر القول في الأول دال على حذف مثله في الثاني ، وذكر السحر الثاني دال على حذف مثله في الأول .

ولما كان التقدير : أتقولون هذا والحال أنكم قد رأيتم فلاحه ، بني عليه قوله : { ولا يفلح } أي يظفر بما يريد في وقت من الأوقات { الساحرون* } أي العريقون فيه{[38303]} لأن حاصل أمرهم تخييل وتمويه في الأباطيل ، فالظفر بعيد عنهم ، ويجوز أن تجعل هذه الجملة معطوفه على قوله : { أسحر هذا } لأنه إنكاري بمعنى النفي ، فلما أنكر عليهم عليه السلام ما ظهر به الفرق الجلي بين ما أتى به في كونه أثبت الأشياء وبين السحر ، لأنه لا ثبات له أصلاً ، عدلوا عن جوابه إلى الإخبار بما يتضمن أنهم لا يقرون بحقيته{[38304]} لأنه يلزم عن ذلك ترك ما هم عليه من العلو وهم لا يتركونه ، وأوهموا الضعفاء أن مراده عليه السلام الاستكبار معللين لاستكبارهم عن إتباعه بما دل على أنهم لا مانع أنهم منه إلا الكبر ، فقال تعالى حكاية عنهم : { قالوا } أي منكرين عليه معللين بأمرين : التقليد ، والحرص على الرئاسة .


[38299]:زيد بعده في ظ: أو لا حذف.
[38300]:في ظ: يقول.
[38301]:في ظ: ذمه.
[38302]:في ظ: المقالة.
[38303]:زيد من ظ.
[38304]:من ظ، وفي الأصل: بحقيقة.