البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

فقال لهم موسى : أتقولون ؟ مستفهماً على جهة الإنكار والتوبيخ ، حيث جعلوا الحق سحراً ، أسحر هذا أي : مثل هذا الحق لا يدعى أنه سحر .

وأخبر أنه لا يفلح من كان ساحراً لقوله تعالى : { ولا يفلح الساحر حيث أتى } والظاهر أن معمول أتقولون محذوف تقديره : ما تقدم ذكره وهو إنّ هذا لسحر ، ويجوز أن يحذف معمول القول للدلالة عليه نحو قول الشاعر :

لنحن الألى قلتم فإني ملتئم *** برؤيتنا قبل اهتمام بكم رعبا

ومسألة الكتاب متى رأيت ، أو قلت زيداً منطلقاً .

وقيل : معمول أتقولون هو أسحر هذا إلى آخره ، كأنهم قالوا : أجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح ، ولا يفلح الساحرون .

كما قال موسى للسحرة : ما جئتم به السحر إن الله سيبطله .

والذين قالوا : بأن الجملة وأن الاستفهام هي محكية لقول اختلفوا فقال بعضهم : قالوا ذلك على سبيل التعظيم للسحر الذي رأوه بزعمهم ، كما تقول لفرس تراه يجيد الجري : أفرس هذا على سبيل التعجيب والاستغراب ، وأنت قد علمت أنه فرس ، فهو استفهام معناه التعجيب والتعظيم .

وقال بعضهم : قال ذلك منهم كل جاهل بالأمر ، فهو يسأل أهو سحر ؟ لقول بعضهم : إن هذا لسحر ، وأجاز الزمخشري أن يكون معنى قوله : أتقولون للحق ، أتعيبونه وتطعنون فيه ، فكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه ، قال : من قولهم فلان يخاف القالة ، وبين الناس تقاول إذا قال بعضهم لبعض ما يسوء ، ونحو القول الذكر في قوله : سمعنا فتى يذكرهم ثم قال أسحر هذا فأنكر ما قالوه في عيبه والطعن عليه .