الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

قوله تعالى : { أَتقُولُونَ } : في معمولِ هذا القولِ وجهان/ ، أحدهما : أنه مذكورٌ ، وهو الجملةُ من قوله : " أسحرٌ هذا " إلى آخره ، كأنهم قالوا : أجئتما بالسحر تطلبانِ به الفلاحَ ولا يفلح الساحرون ، كقولِ موسى على نبيِّنا وعليه وعلى سائر الأنبياء أفضلُ الصلاة والسلام للسحرة : { مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ } . والثاني : أن معموله محذوفٌ ، وهو مدلولٌ عليه بما تقدَّم ذكرُه ، وهو : إن هذا لسحرٌ مبين . ومعمولُ القول يُحذف للدلالةِ عليه كثيراً ، كما يُحذف نفسُ القولِ كثيراً ، ومثلُ الآية في حَذْفِ المقول قولُ الشاعر :

2616 لَنحن الأُلى قُلْتُمْ فأنَّى مُلِئْتُمُ *** برؤيتنا قبلَ اهتمامٍ بكمْ رُعْبا

وفي كتاب سيبويه : " متى رأيت أو قلت زيداً منطلقاً " على إعمال الأول ، وحَذْفِ معمولِ القول ، ويجوز إعمالُ القولِ بمعنى الحكاية به فيقال : " متى رأيت أو قلت زيد منطلق " ، وقيل : القول في الآية بمعنى العَيْب والطعن ، والمعنى : أتعيبون الحق وتَطْعنون فيه ، وكان مِنْ حَقِّكم تعظيمُه والإِذعانُ له مِنْ قولهم : " فلان يخاف القالة " ، و " بين الناس تقاوُلٌ " ، إذا قال بعضهم لبعض ما يسْوءُه ، ونَحْوُ القولِ الذكرُ في قوله :

{ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } [ الأنبياء : 60 ] وكلُّ هذا ملخَّصٌّ من كلام الزمخشري .