{ 51 - 73 ْ } { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ْ } إلى آخر هذه القصة ،
وهو قوله : { وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ْ } لما ذكر تعالى موسى ومحمدا صلى الله عليهما وسلم ، وكتابيهما قال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ ْ } أي : من قبل إرسال موسى ومحمد ونزول كتابيهما ، فأراه الله ملكوت السماوات والأرض ، وأعطاه من الرشد ، الذي كمل به نفسه ، ودعا الناس إليه ، ما لم يؤته أحدا من العالمين ، غير محمد ، وأضاف الرشد إليه ، لكونه رشدا ، بحسب حاله ، وعلو مرتبته ، وإلا فكل مؤمن ، له من الرشد ، بحسب ما معه من الإيمان . { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ْ } أي : أعطيناه رشده ، واختصصناه بالرسالة والخلة ، واصطفيناه في الدنيا والآخرة ، لعلمنا أنه أهل لذلك ، وكفء له ، لزكائه وذكائه ، ولهذا ذكر محاجته لقومه ، ونهيهم عن الشرك ، وتكسير الأصنام ، وإلزامهم بالحجة ، فقال : { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ ْ }
ثم تسوق السورة بعد ذلك بشىء من التفصيل قصة إبراهيم - عليه السلام - مع قومه ، وما دار بينه وبينهم من محاورات ومحاولات فتقول : { وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ . . . } .
قصة إبراهيم - عليه السلام - مع قومه ، قد وردت فى سور متعددة منها : سورة البقرة ، والعنكبوت ، والصافات .
وهنا تحدثنا سورة الأنبياء عن جانب من قوة إيمانه - عليه السلام - ومن سلامة حجته ومن تصميمه على تنفيذ ما يرضى الله - تعالى - بالقول والعمل .
والمراد بالرشد : الهداية إلى الحق والبعد عن ارتكاب ما نهى الله - تعالى - عنه .
والمراد بقوله - تعالى - { مِن قَبْلُ } أى : من قبل أن يكون نبيا .
والمعنى : ولقد آتينا - بفضلنا وإحساننا - إبراهيم - عليه السلام - الرشد إلى الحق ، والهداية إلى الطريق المستقيم ، " من قبل " أى : من قبل النبوة بأن جنبناه ما كان عليه قومه من كفر وضلال .
وقد أكتفى الإمام ابن كثير بهذا المعنى فى قوله - تعالى - { مِن قَبْلُ } فقال : يخبر - تعالى - عن خليله إبراهيم - عليه السلام - ، أنه آتاه رشده من قبل .
أى : من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه ، كما قال - تعالى - : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ . . . } ومن المفسرين من يرى أن المقصود بقوله - تعالى - { مِن قَبْلُ } أى : من قبل موسى وهارون ، فقد كان الحديث عنهما قبل ذلك بقليل فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ . . . } فيكون المعنى : ولقد آتينا إبراهيم رشده وهداه ، ووفقنا للنظر والاستدلال على الحق ، من قبل موسى وهارون ، لأنه يسبقهما فى الزمان .
وقد رجح هذا المعنى الإمام الآلوسى فقال : " ولقد آتينا إبراهيم رشده " .
أى : الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل الكبار ، وهو الرشد الكامل ، أعنى : الاهتداء إلى وجوه الصلاح فى الدين والدنيا . . . " من قبل " أى : من قبل موسى وهارون ، وقيل : من قبل البلوغ . . . والأول مروى عن ابن عباس وابن عمر ، وهو الوجه الأوفق لفظا ومعنى ، أما لفظا فللقرب ، وأما معنى فلأن ذكر الأنبياء - عليهم السلام - للتأسى ، وكان القياس أن يذكر نوح ثم إبراهيم ثم موسى ، لكن روعى فى ذلك ترشيخ التسلى والتأسى ، فقد ذكر موسى ، لأن حاله وما قاساه من قومه . . . أشبه بحال نبينا - صلى الله عليه وسلم - .
ويبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع للمعنيين . أى : أن الله - تعالى - قد أعطى إبراهيم رشده ، من قبل النبوة ، ومن قبل موسى وهارون لسبقه لهما فى الزمان .
وقوله : { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } بيان لكمال علم الله - تعالى - أى : وكنا به وبأحواله وبسائر شئونه عالمين ، بحيث لا يخفى علينا شىء من أحواله أو من أحوال غيره
يخبر تعالى عن خليله إبراهيم ، عليه السلام ، أنه آتاه رشده من قبل ، أي : من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه ، كما قال تعالى : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ } [ الأنعام : 83 ] ، وما يذكر من الأخبار عنه{[19665]} في إدخال أبيه له في السرب ، وهو رضيع ، وأنه خرج به بعد أيام ، فنظر إلى الكوكب والمخلوقات ، فتبصر فيها وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم - فعامتها أحاديث بني إسرائيل ، فما وافق منها الحق مما بأيدينا عن المعصوم قبلناه لموافقته الصحيح ، وما خالف شيئًا من ذلك رددناه ، وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه ، بل نجعله وفقًا ، وما كان من هذا الضرب منها فقد ترخص كثير من السلف في روايتها ، وكثير من ذلك ما لا فائدة فيه ، ولا حاصل له مما ينتفع به في الدين . ولو كانت فيه فائدة تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة . والذي نسلكه{[19666]} في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية ، لما فيها من تضييع الزمان ، ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم ، فإنهم لا تفرقة{[19667]} عندهم بين صحيحها وسقيمها كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة .
والمقصود هاهنا : أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده ، من قبل ، أي : من قبل ذلك ، وقوله : { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } أي : وكان أهلا لذلك .
{ ولقد آتينا إبراهيم رشده } الاهتداء لوجوه الصلاح وإضافته ليدل على أنه رشد مثله وأن له شأنا . وقرئ " رشده " وهو لغة . { من قبل } من قبل موسى وهرون أو محمد عليه الصلاة والسلام . وقيل من قبل استنبائه أو بلوغه حيث قال : { إني وجهت } { وكنا به عالمين } علمنا أنه أهل لما أتيناه ، أو جامع لمحاسن الأوصاف ومكارم الخصال وفيه إشارة إلى أن فعله سبحانه وتعالى باختيار وحكمة وأنه عالم بالجزئيات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.