البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ إِبۡرَٰهِيمَ رُشۡدَهُۥ مِن قَبۡلُ وَكُنَّا بِهِۦ عَٰلِمِينَ} (51)

{ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهنّ وأنا على ذلكم من الشاهدين وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون } .

لما تقدم الكلام في دلائل التوحيد والنبوة والمعاد أتبع ذلك بثلاثة عشر نبياً غير مراعي في ذكرهم الترتيب الزماني ، وذكر بعض ما نال كثيراً منهم من الابتلاء كل ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وليتأسى بهم فيما جرى عليه من قومه .

وقرأ الجمهور { رُشْده } بضم الراء وسكون الشين .

وقرأ عيسى الثقفى { رَشَدة } بفتح الراء والشين وأضاف الرشد إلى { إبراهيم } بمعنى أنه رشد مثله وهو رشد الأنبياء وله شأن أيّ شأن ، والرشد النبوة والاهتداء إلى وجوه الصلاح في الدين والدنيا ، أو هما داخلان تحت الرشد أو الصحف والحكمة أو التوفيق للخير صغيراً أقوال خمسة ، والمضاف إليه من قبل محذوف وهو معرفة ولذلك بنى { قبل } أي { من قبل } موسى وهارون قاله الضحاك كقوله في الأنعام { ونوحاً هدينا من قبل } أي من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وأبعد من ذهب إلى أن التقدير { من قبل } بلوغه أو { من قبل } نبوته يعني حين كان في صلب آدم .

وأخذ ميثاق الأنبياء ، أو من قبل محمد صلى الله عليه وسلم لأنها محذوفات لا يدل على حذفها دليل بخلاف { من قبل } موسى وهارون لتقدم ذكرهما .

وقربه ، والضمير في { به } الظاهر أنه عائد على إبراهيم .

وقيل : على الرشد وعلمه تعالى أنه علم منه أحوالاً عجيبة وأسراراً بديعة فأهله لخلته كقوله : الله أعلم حيث يجعل رسالاته ، وهذا من أعظم المدح وأبلغه إذ أخبر تعالى أنه آتاه الرشد وأنه عالم بما آتاه به عليه السلام .

ثم استطرد من ذلك إلى تفسير الرشد وهو الدعاء إلى توحيد الله ورفض ما عبد من دونه .