نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ إِبۡرَٰهِيمَ رُشۡدَهُۥ مِن قَبۡلُ وَكُنَّا بِهِۦ عَٰلِمِينَ} (51)

ولما كان مقصود{[51107]} السورة الدلالة على القدرة على ما استبعده العرب من إعادة الحيوان بعد كونه تراباً ، وبدأ ذكر الأنبياء بمن صرفه في العناصر الأربعة كما تقدم قص ذلك من التوراة في سورتي{[51108]} البقرة والأعراف إشارة إلى من استبعد عليه ما جعله إلى بعض عبيده أعمى الناس ، تلاه من الأنبياء بمن سخر له واحداً من تلك العناصر ، مرتباً لهم على الأخف في ذلك فالأخف على سبيل الترقي ، فبدأهم بذكر من سخر له عنصر النار ، مع التنبيه للعرب على عماهم عن الرشد بإنكاره للشرك بعبادة الأوثان على أبيه وغيره ، ودعائهم إلى التوحيد ، والمجاهدة في الله على ذلك حق الجهاد ، وهو أعظم آباء الرادين لهذا الذكر ، والمستمسكين{[51109]} بالشرك تقليداً للآباء ، إثباتاً للقدرة الباهرة الدالة على التوحيد الداعي إليه جميع هؤلاء الأصفياء ، هذا مع مشاركته بإنزال الصحف عليه لموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومشاركته لهما{[51110]} في الهجرة ، وإذا تأملت ما في سورتي{[51111]} الفرقان والشعراء ازداد ما قلته وضوحاً ، فإنه لما أخبر تعالى أنهم قالوا

{ لولا نزل{[51112]} عليه القرآن جملة واحدة }[ الفرقان : 32 ] بدأ بقصة موسى الذي كتب له ربه في الألواح من كل شيء ، و{[51113]}قومه مقرّون بعظمة كتابه وأنه أوتي من الآيات ما بهر العقول ، وكفر به مع ذلك كثير منهم{[51114]} . ولما قال في الشعراء

{ ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث }[ الآية{[51115]} :5 ] كما هنا ، صنع كما صنع هنا من البداءة بقصة موسى عليه السلام وإيلائها ذكر إبراهيم عليه السلام فقال تعالى : { ولقد ءاتينا } بما لنا من العظمة{[51116]} { إبراهيم رشده } أي صلاحه و إصابته وجه الأمر واهتداءه{[51117]} إلى عين الصواب وأدل الدلالة وأعرف العرف وأشرف القصد {[51118]}الذي جلبناه عليه{[51119]} ؛ وقال الرازي في اللوامع : والرشد قوة بعد الهداية - انتهى . وأضافة{[51120]} إليه إشارة إلى أنه رشد يليق به على علو مقامه وعظم شأنه لا جرم ظهر عليه أثر ذلك من بين أهل ذلك الزمان كلهم فآثر الإسلام على غيره من الملل { من قبل } أي قبل موسى وهارون عليهما السلام { وكنا } بما لنا من العظمة{[51121]} { به } {[51122]}ظاهراً وباطناً{[51123]} { عالمين* } بأنه جبلة خير يدوم على الرشد ويترقى فيه إلى أعلى درجاته لما طبعناه عليه بعظمتنا من طبائع الخير ؛


[51107]:في مد: مقصد.
[51108]:من مد، وفي الأصل وظ: سورة
[51109]:من ظ ومد وفي الأصل: المتمسكين.
[51110]:من ظ ومد وفي الأصل: لها.
[51111]:من مد، وفي الأصل وظ: سورة.
[51112]:في ظ: أنزل.
[51113]:سقط من ظ.
[51114]:زيد من ظ ومد.
[51115]:آية 5.
[51116]:زيد من مد.
[51117]:من مد وفي الأصل وظ: اهتدا.
[51118]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51119]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51120]:من ظ ومد وفي الأصل: أضاف.
[51121]:زيد من مد.
[51122]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51123]:سقط ما بين الرقمين من ظ.