تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

{ 23 - 24 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }

يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } اعملوا بمقتضى الإيمان ، بأن توالوا من قام به ، وتعادوا من لم يقم به .

و { لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ } الذين هم أقرب الناس إليكم ، وغيرهم من باب أولى وأحرى ، فلا تتخذوهم { أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا } أي : اختاروا على وجه الرضا والمحبة { الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ }

{ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } لأنهم تجرؤوا على معاصي اللّه ، واتخذوا أعداء اللّه أولياء ، وأصل الولاية : المحبة والنصرة ، وذلك أن اتخاذهم أولياء ، موجب لتقديم طاعتهم على طاعة اللّه ، ومحبتهم على محبة اللّه ورسوله .

ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك ، وهو أن محبة اللّه ورسوله ، يتعين تقديمهما على محبة كل شيء ، وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

وبعد أن بين - سبحانه - ما أعده من عطاء عظيم للمؤمنين الصادقين ، الذين هاجروا وجاهدوا في سبيله بأموالهم وأنفسهم . . . أتبع ذلك بتوجيه نداء إليهم ، حثهم فيه على أن يجردوا أنفسهم لعقيدتهم ، وأن يقاطعوا أعداءهم في الدين مهما بلغت درجة قرابتهم منهم ، وأن يؤثروا حب الله وروسوله على كل شئ من زينة الحياة الدنيا فقال - تعالى - : { ياأيها الذين . . . لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } .

والمعنى : { ياأيها الذين آمَنُواْ } إيماناً حقاً { لاَ تتخذوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ } المشركين { أَوْلِيَآءَ } وأصدقا تفشون إليهم أسراركم ، وتطلعونهم على ما لا يجوز إطلاعهم عليه من شئونكم ، وتلقون إليهم بالمودة . . . فإن ذلك يتنافى مع الإِيمان الحق ، ومع الإخلاص للعقيدة وإيثارها على كل ما سواها من زينة الحياة .

والمراد النهى لكل فرد من أفراد المخاطبين عن موالاة أى فرد من أفراد المشركين ، لأن الجمع إذا قوبل بالجمع يوزع الفرد على الفرد ، كما في قوله - تعالى - { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } قال القرطبى : وخص - سبحانه - الآباء والإِخوة إذ لا قرابة أقرب منها . فنفى الموالاة بينهم ليبين أن القرب قرب الأديان لا قرب الأبدان .

ولم يذكر الآبناء في هذه الآية ، إذ الأغلب من البشر أن الأبناء هم التبع للآباء . والإِحسان والهبة مستثناه من الولاية . " قالت أسماء : يا رسول الله إن أمى قدمت على راغبة وهى مشركة أفأصلها ؟ قال نعم . " صلى أمك " " .

وقوله - سبحانه - : { إِنِ استحبوا الكفر عَلَى الإيمان } قيد في النهى عن اتخاذهم أولياء . والاستحباب : طلب المحبة : يقال : استحب له بمعنى أحبه كأنه طب محبته .

أى : لا تتخذوهم أولياء إن اختاروا الكفر على الإِيمان وأصروا على شركهم وباطلهم . . أما إذا أقعلوا عن ذلك ودخلوا في دينكم ، فلا حرج عليكم من اتخاذهم أولياء وأصفياء .

وقوله : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فأولئك هُمُ الظالمون } تذييل قصد به الوعيد والتهديد لمن يفعل ذلك .

أى : ومن يتولهم منكم في حال استحبابهم الكفر على الإِيمان . فأولئك الموالون لهم هم الظالمون لأنفسهم ، لأنهم وضعوا الموالاة في غير موضعها ، وتجاوزا حدود الله التي نهاهم عن تجاوزها . وسيجازيهم - سبحانه - على ذلك بما يستحقونه من عقاب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

أمر الله تعالى بمباينة الكفار به ، وإن كانوا آباء أو أبناء ، ونهى عن موالاتهم إذا ( اسْتَحَبُّوا ) أي : اختاروا الكفر على الإيمان ، وتوعد على ذلك كما قال تعالى : { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } الآية [ المجادلة : 22 ] .

وروى الحافظ [ أبو بكر ]{[13302]} البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال : جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت له الآلهة يوم بدر ، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلما أكثر الجراح قصده ابنه أبو عبيدة فقتله ، فأنزل الله فيه هذه الآية : { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } الآية [ المجادلة : 22 ]


[13302]:- سنن البيهقي الكبرى (9/27) من طريق الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب ، وقال البيهقي : "هذا منقطع".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء } نزلت في المهاجرين فإنهم لما أمروا بالهجرة قالوا : إن هاجرنا قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا وذهبت تجاراتنا وبقينا ضائعين . وقيل نزلت نهيا عن موالاة التسعة الذين ارتدوا ولحقوا بمكة ، والمعنى لا تتخذوهم أولياء يمنعونكم عن الإيمان ويصدونكم عن الطاعة لقوله : { إن استحبّوا الكفر على الإيمان } إن اختاروه وحرصوا عليه . { ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظالمون } بوضعهم الموالاة في غير موضعها .