اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تتخذوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ } الآية .

والمقصود من هذه الآية : أن تكون جواباً عن شبهة أخرى ، ذكروها في أن البراءة من الكافر غيرُ ممكنة ، فإنَّ المسلم قد يكون أبوه كافراً أو ابنُه والكافر قد يكون أبوهُ أو أخوه مسلماً والمقاطعة بين الرَّجُلِ وأبيه وابنه وأخيه كالمتعذر ، فأزال اللهُ تعالى هذه الشبهة بهذه الآية . ونقل المفسِّرون عن ابنِ عبَّاسٍ " أنَّه تعالى لمَّا أمر المسلمين بالهجرةِ قبل فتح مكَّة ، فمنْ لم يهاجر لم يقبل اللهُ إيمانه ، حتى يجانب الآباء والأقرباء إن كانُوا كفاراً " .

قال ابنُ الخطيب " وهذا مشكل ؛ لأنَّ الصحيح أنَّ هذه السورة إنَّما نزلت بعد فتح مكة ، فكيف يمكن حمل هذه الآية على ما ذكروه ؟ وإنَّما الأقربُ أنَّهُ تعالى أمر المؤمنين بالتبرِّي عن المشركين بسبب الكفر ، لقوله : { إَنِ استحبوا الكفر عَلَى الإيمان } أي : اختاروا الكفر على الإيمان ، والاستحباب : طلب المحبة ، يقال استحب له ، بمعنى : أحبه ، كأنه طلب محبته " .

ولمَّا نهى الله عن مخالطتهم ، وكان النَّهي يحتملُ أن يكُون نَهْيَ تنزيهٍ وأن يكون نهي تحريم ، ذكر ما يزيل الشبهة فقال : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فأولئك هُمُ الظالمون } . قال ابن عباسٍ " يريدُ : مشركاً مثلهم ، لأنه رضي بكفرهم ، والرَّضى بالكُفرِ كفر ، كما أنّض الرضا بالفسقِ فسق " {[17687]} .

قال القاضي : " هذا النَّهي لا يمنعُ أن يتبرأ المرءُ من أبيه في الدُّنيا ، كما لا يمنع من قضاء دين الكافر ، ومن استعمله في الأعمال " .


[17687]:ذكره الرازي في "التفسير الكبير" (16/11) عن الحسن.