تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) تحتمل الولاية الموافقة لهم في الحقيقة في الدين . ومن تولاهم في الحقيقة فهو منهم ، وهو ظالم ، لا شك . فإن كان هذا فهو ظالم ، لا شك . فلم يكن لقوله : ( ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ) معنى .

وتحتمل الولاية إظهار الموافقة لهم في الظاهر على غير حقيقة لكن إظهار على غير حقيقة يباح في حال اضطرار عند خوف الهلاك وذهاب الدين ، فيجوز أن يكون قوم أسروا الإيمان في أنفسهم ، وكتموه ، وأظهروا[ في الأصل وم : يظهرون ] الموافقة لهم في الظاهر إشفاقا على دينهم وخوفا على أنفسهم ، فيباح لهم ذلك لما ذكرنا .

فلما جعل الله الهجرة ، وجعل للمؤمنين مأوى وأنصارا يلجؤون ، ويأوون إليه لم يعذروا في إظهار الموافقة لهم ، وإن كانوا في السر ليسوا على دينهم ، لما ذكرنا .

فهذا يدل على أن من أجرى كلمة الكفر على لسانه من غير اضطرار يصير كافرا على ما جعل هؤلاء أولياء الكفرة حقيقة ظلمة مثلهم ، إذا تولاهم في الظاهر ، وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك . وهذا أشبه . وهو ما قال عز وجل : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم )الآية[ النساء : 97 ] لم يعذروا في تركهم الهجرة .

فعلى ذلك هؤلاء إذا ظهروا الموافقة لهم بعد ما جعل لهم المأوى والأنصار صاروا هم في الحقيقة . كذلك نهانا عن موالاة الكفرة جملة بقوله : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء )[ آل عمران : 28 ] وقوله[ في الأصل وم : كقوله ] : ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء )[ المائدة : 51 ] وقوله[ في الأصل وم : وقال ] : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )[ الممتحنة : 1 ] .

هذا النهي لنا في جملة الكافرين . ثم نهانا عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء بقوله[ في الأصل وم : كقوله ] ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء )[ المائدة : 51 ] ثم نهانا أن نوالي المتصلين من الآباء والأمهات وغيره من القرابات[ من م ، في الأصل : القربات ] لما تقع الشبه في موالاة[ من م ، في الأصل : الموالاة ] المختصين بهم ، فخص النهي فيه . وكذلك تخصيص اليهود والنصارى لما بيننا وبينهم موافقة في التوحيد والكتب ، فخص النهي في ذلك .

ثم الولاية التي نهانا عنها تخرج على وجوه :

أحدها : المودة والمحبة ؛ أي لا تودوهم ، ولا تحبوهم .

والثاني : ألا نتخذهم موضع سرنا [ وبطانتنا بقوله ][ في الأصل وم : وبطانتها كقوله ، في م : وبطانتنا كقوله ] : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم )الآية[ آل عمران : 118 ] .

والثالث : ولاية الطاعة لهم ؛ أي لا تطيعوهم بقوله[ في الأصل وم : كقوله ] : ( إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم )الآية[ آل عمران : 100 ] وقوله : ( إن تطيعوا الذين كفروا يرودكم )[ آل عمران : 149 ] .

نهانا أن نحبهم ، ونودهم ، ونهانا أيضا أن نتخذهم موضع سرنا ، ونفشي إليهم أسرارنا ، ونهانا أن نطيعهم في ما يدعوننا إليه ، ويسرون ، والله أعلم ، للخلاف الذي بيننا وبينهم في الدين .

وقوله تعالى : ( إن استحبوا الكفر على الإيمان ) ؛ أي اختاروا الكفر على الإيمان . والمحبة ههنا محبة الاختيار والإيثار .