وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) تحتمل الولاية الموافقة لهم في الحقيقة في الدين . ومن تولاهم في الحقيقة فهو منهم ، وهو ظالم ، لا شك . فإن كان هذا فهو ظالم ، لا شك . فلم يكن لقوله : ( ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ) معنى .
وتحتمل الولاية إظهار الموافقة لهم في الظاهر على غير حقيقة لكن إظهار على غير حقيقة يباح في حال اضطرار عند خوف الهلاك وذهاب الدين ، فيجوز أن يكون قوم أسروا الإيمان في أنفسهم ، وكتموه ، وأظهروا[ في الأصل وم : يظهرون ] الموافقة لهم في الظاهر إشفاقا على دينهم وخوفا على أنفسهم ، فيباح لهم ذلك لما ذكرنا .
فلما جعل الله الهجرة ، وجعل للمؤمنين مأوى وأنصارا يلجؤون ، ويأوون إليه لم يعذروا في إظهار الموافقة لهم ، وإن كانوا في السر ليسوا على دينهم ، لما ذكرنا .
فهذا يدل على أن من أجرى كلمة الكفر على لسانه من غير اضطرار يصير كافرا على ما جعل هؤلاء أولياء الكفرة حقيقة ظلمة مثلهم ، إذا تولاهم في الظاهر ، وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك . وهذا أشبه . وهو ما قال عز وجل : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم )الآية[ النساء : 97 ] لم يعذروا في تركهم الهجرة .
فعلى ذلك هؤلاء إذا ظهروا الموافقة لهم بعد ما جعل لهم المأوى والأنصار صاروا هم في الحقيقة . كذلك نهانا عن موالاة الكفرة جملة بقوله : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء )[ آل عمران : 28 ] وقوله[ في الأصل وم : كقوله ] : ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء )[ المائدة : 51 ] وقوله[ في الأصل وم : وقال ] : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )[ الممتحنة : 1 ] .
هذا النهي لنا في جملة الكافرين . ثم نهانا عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء بقوله[ في الأصل وم : كقوله ] ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء )[ المائدة : 51 ] ثم نهانا أن نوالي المتصلين من الآباء والأمهات وغيره من القرابات[ من م ، في الأصل : القربات ] لما تقع الشبه في موالاة[ من م ، في الأصل : الموالاة ] المختصين بهم ، فخص النهي فيه . وكذلك تخصيص اليهود والنصارى لما بيننا وبينهم موافقة في التوحيد والكتب ، فخص النهي في ذلك .
ثم الولاية التي نهانا عنها تخرج على وجوه :
أحدها : المودة والمحبة ؛ أي لا تودوهم ، ولا تحبوهم .
والثاني : ألا نتخذهم موضع سرنا [ وبطانتنا بقوله ][ في الأصل وم : وبطانتها كقوله ، في م : وبطانتنا كقوله ] : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم )الآية[ آل عمران : 118 ] .
والثالث : ولاية الطاعة لهم ؛ أي لا تطيعوهم بقوله[ في الأصل وم : كقوله ] : ( إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم )الآية[ آل عمران : 100 ] وقوله : ( إن تطيعوا الذين كفروا يرودكم )[ آل عمران : 149 ] .
نهانا أن نحبهم ، ونودهم ، ونهانا أيضا أن نتخذهم موضع سرنا ، ونفشي إليهم أسرارنا ، ونهانا أن نطيعهم في ما يدعوننا إليه ، ويسرون ، والله أعلم ، للخلاف الذي بيننا وبينهم في الدين .
وقوله تعالى : ( إن استحبوا الكفر على الإيمان ) ؛ أي اختاروا الكفر على الإيمان . والمحبة ههنا محبة الاختيار والإيثار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.