البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبآءكم وإخوانكم أوليآء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون } كان قبل فتح مكة من آمن لم يتم إيمانه إلا بأن يهاجر ويصادم أقاربه الكفرة ويقطع موالاتهم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنْ نحن اعتزلنا من يخالفنا في الدين قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا ، وذهبت كادتنا وهلكت أموالنا ، وخرجت ديارنا ، ويقينا ضائعين ، فنزلت .

فهاجروا فجعل الرجل يأتيه ابنه أو أبوه أو أخوه أو بعض أقاربه فلا يلتفت إليه ولا ينزله ولا ينفق عليه ، ثم رخص لهم بعد ذلك .

فعلى هذا الخطاب للمؤمنين الذين كانوا بمكة وغيرها من بلاد العرب خوطبوا أن لا يوالوا الآباء والإخوة ، فيكونوا لهم تبعاً في سكنى بلاد الكفر .

وقيل : نزلت في التسعة الذين ارتدوا ولحقوا بمكة ، فنهى الله المؤمنين عن موالاتهم .

وذكر الآباء والإخوان لأنهم أهل الرأي والمشورة ، ولم يذكر الأبناء لأنهم في الغالب تبع لآبائهم .

وقرأ عيسى بن عمران : استحبوا بفتح الهمزة جعله تعليلاً ، وغيره بكسر الهمزة جعله شرطاً .

ومعنى استحبوا : آثروا وفضلوا ، استفعل من المحبة أي طلبوا محبة الكفر .

وقيل : بمعنى أحب .

وضمن معنى اختار وآثر ، ولذلك عديَ بعلى .

ولما نهاهم عن اتخاذهم أولياء أخبر أن من تولاهم فهو ظالم ، فقال ابن عباس : هو مشرك مثلهم ، لأنّ من رضي بالشرك فهو مشرك .

قال مجاهد : وهذا كله كان قبل فتح مكة .

وقال ابن عطية : وهذا ظلم المعصية لا ظلم الكفر .