{ ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ } الذين حاربوه ، وحاربوا أولياءه ، بالكفر والتكذيب ، والمجادلة والمجالدة . { النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ } أي : الخلود الدائم ، الذي لا يفتر عنهم العذاب ساعة ، ولا هم ينصرون ، وذلك { جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } فإنها آيات واضحة ، وأدلة قاطعة مفيدة لليقين ، فأعظم الظلم وأكبر العناد ، جحدها ، والكفر بها .
واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - : { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ الله . . . } يعود إلى ما تقدم من العذاب الشديد المعد لهؤلاء الكافرين ، وهو مبتدأ ، وجملة { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ } خبره وقوله { النار } بدل أو عطف بيان .
أى : ذلك العذاب الشديد الذى نذيقه للكافرين جزاء عادل لأعداء الله ، وهذا العذاب الشديد يتمثل فى النار التى أعدها - سبحانه - لهم .
وجملة : { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } مؤكدة لما قبلها . أى : لهم فى تلك النار الإِقامة الدائة الباقية المستمرة ، فهى بمثابة الدار المهيأة لسكنهم الدائم .
وقوله - سبحانه - : { جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } بيان لحكم الله العادل فيهم .
أى : نجازيهم جزاء أليما بسبب جحودهم لآياتنا الدالة على وحدانيتنا وعلى صدق رسلان .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللّهِ النّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُون } .
يقول تعالى ذكره : هذا الجزاء الذي يجزى به هؤلاء الذين كفروا من مشركي قريش جزاء أعداء الله ثم ابتدأ جلّ ثناؤه الخبر عن صفة ذلك الجزاء ، وما هو ؟ فقال : هو النار ، فالنار بيان عن الجزاء ، وترجمة عنه ، وهي مرفوعة بالردّ عليه ثم قال : لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ يعني لهؤلاء المشركين بالله في النار دار الخلد يعني دار المكث واللبث ، إلى غير نهاية ولا أمد والدار التي أخبر جلّ ثناؤه أنها لهم في النار هي النار ، وحسن ذلك لاختلاف اللفظين ، كما يقال : لك من بلدتك دار صالحة ، ومن الكوفة دار كريمة ، والدار : هي الكوفة والبلدة ، فيحسن ذلك لاختلاف الألفاظ ، وقد ذُكر لنا أنها في قراءة ابن مسعود : «ذَلِكَ جَزَاءُ أعْدَاءِ اللّهِ النّارُ دَارُ الخُلْدِ » ففي ذلك تصحيح ما قلنا من التأويل في ذلك ، وذلك أنه ترجم بالدار عن النار .
وقوله : جَزَاءً بِمَا كانُوا بآياتنا يَجْحَدُونَ يقول : فعلنا هذا الذي فعلنا بهؤلاء من مجازاتنا إياهم النار على فعلهم جزاء منا بجحودهم في الدنيا بآياتنا التي احتججنا بها عليهم .
وقوله تعالى : { ذلك } إشارة إلى الجزاء المتقدم . . و : { جزاء أعداء الله } خبر الابتداء . و : { النار } بدل من قوله : { جزاء أعداء } ويجوز أن يكون : { ذلك } خبر ابتداء تقديره : الأمر ذلك ، ويكون قوله : { جزاء أعداء } ابتداء ، و : { النار } خبره .
وقوله : { لهم فيها دار الخلد } أي موضع البقاء ومسكن العذاب الدائم ، فالظرفية في قوله : { فيها } متمكنة على هذا التأويل ، ويحتمل أن يكون المعنى : هب لهم دار الخلد ، ففي قوله : { فيها } معنى التجريد كما قال الشاعر :
وفي الله إن لم ينصفوا حكم عدل{[10069]}
وفي قراءة عبد الله بن مسعود : «ذلك جزاء أعداء الله النار دار الخلد » ، وسقط { لهم فيها } وجحودهم بآيات الله مطرد في علاماته المنصوبة لملقه وفي آيات كتابه المنزلة على نبيه .
الإِشارة ب { ذلك جَزَاءُ أعْدَاءِ الله } إلى ما تقدم وهو الجزاء والعذاب الشديد على أسوأ أعمالهم . وأعداءُ الله : هم المشركون الذين تقدم ذكرهم بقوله تعالى : { ويَوْمَ نَحْشُر أعْدَاءَ الله } [ فصلت : 19 ] .
والنار عطف بيان من { جَزَاءُ أعْدَاءِ الله } .
و { دَارُ الخُلْدِ } : النار . فقوله : { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } جَاء بالظرفية بتنزيل النار منزلة ظرف لدار الخلد وما دار الخلد إلاّ عين النار . وهذا من أسلوب التجريد ليفيد مبالغة معنى الخلد في النار . وهو معدود من المحسنات البديعية ، ومنه قوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول اللَّه أسوة حسنة } [ الأحزاب : 21 ] وقول أبي حامد العتَّابي :
و { الخلد } : طول البقاء ، وأطلق في اصطلاح القرآن على البقاء المؤبد الذي لا نهاية له .
وانتصب { جَزَآءُ } على الحال من { دَارُ الخُلْدِ } . والباء للسببية . و ( ما ) مصدرية ، أي جزاء بسبب كونهم يجحدون بآياتنا .
وصيغة المضارع في { يَجْحَدُونَ } دالّة على تجدد الجحود حيناً فحيناً وتكرره . وعدي فعل { يَجْحَدُونَ } بالباء لتضمينه معنى : يُكذِّبون . وتقديم { بآياتِنَا } للاهتمام وللرعاية على الفاصلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.