تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

{ 5 - 6 } { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ } .

لما قرر ربوبيته وإلهيته ، ذكر الأدلة العقلية الأفقية الدالة على ذلك وعلى كماله ، في أسمائه وصفاته ، من الشمس والقمر ، والسماوات والأرض وجميع ما خلق فيهما من سائر أصناف المخلوقات ، وأخبر أنها آيات { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } و { لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ } .

فإن العلم يهدي إلى معرفة الدلالة فيها ، وكيفية استنباط الدليل{[390]}  على أقرب وجه ، والتقوى تحدث في القلب الرغبة في الخير ، والرهبة من الشر ، الناشئين عن الأدلة والبراهين ، وعن العلم واليقين .

وحاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة ، دال على كمال قدرة الله تعالى ، وعلمه ، وحياته ، وقيوميته ، وما فيها من الأحكام والإتقان والإبداع والحسن ، دال على كمال حكمة الله ، وحسن خلقه وسعة علمه . وما فيها من أنواع المنافع والمصالح -كجعل الشمس ضياء ، والقمر نورا ، يحصل بهما من النفع الضروري وغيره ما يحصل- يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره وإحسانه ، وما فيها من التخصيصات دال على مشيئة الله وإرادته النافذة .

وذلك دال على أنه وحده المعبود والمحبوب المحمود ، ذو الجلال والإكرام والأوصاف العظام ، الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة إلا إليه ، ولا يصرف خالص الدعاء إلا له ، لا لغيره من المخلوقات المربوبات ، المفتقرات إلى الله في جميع شئونها .

وفي هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله ، والنظر فيها بعين الاعتبار ، فإن بذلك تنفتح البصيرة ، ويزداد الإيمان والعقل ، وتقوى القريحة ، وفي إهمال ذلك ، تهاون بما أمر الله به ، وإغلاق لزيادة الإيمان ، وجمود للذهن والقريحة .


[390]:- في ب: الدلائل.

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

ثم بين - سبحانه - لونا آخر من ألوان قدرته ورحمته فقال : { إِنَّ في اختلاف الليل والنهار } طولا وقصرا ، وحرا وبردا ، وتعاقبا دقيقا لا يسبق أحدهما معه الآخر { وَمَا خَلَقَ الله في السماوات والأرض } من أنواع الإنس والجن والحيوان والنبات والنجوم وغير ذلك من المخلوقات التي لا تعد ولا تحصى . .

إن في كل ذلك الذي خلقه { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } أى : لدلائل عظيمة كثيرة دالة على قدرة الله ورحمته ووحدانيته ، لقوم يتقون الله - تعالى - فيحذرون عقابه ، ويرجون رحمته .

وخص - سبحانه - المتقين بالذكر ، لأنهم هم المنتفعون بنتائج التدبر في هذه الدلائل .

وبذلك نرى أن القرآن الكريم قد سلك أنجع الوسائل في مخاطبة الفطرة البشرية ، حيث لفت الأنظار إلى ما اشتمل عليه هذا الكون من مخلوقات شاهدة محسوسة ، تدل على وحدانية الله ، وقدرته النافذة ، ورحمته السابغة بعباده .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

وقوله : { إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أي : تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب هذا ، وإذا ذهب هذا جاء هذا ، لا يتأخر عنه شيئا ، كما قال تعالى : { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } [ الأعراف : 54 ] ، وقال : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } [ يس : 40 ] ، وقال تعالى : { فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [ الأنعام : 96 ] .

وقوله : { وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي : من الآيات الدالة على عظمته تعالى ، كما قال : { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ [ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ] } [ يوسف : 105 ] {[14067]} ، [ وقال{[14068]} { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ] وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ] {[14069]} . وقال : { أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } [ سبأ : 9 ]{[14070]} . وقال : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ } [ آل عمران : 190 ] . أي : العقول ، وقال هاهنا : { لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ } أي : عقاب الله ، وسخطه ، وعذابه .


[14067]:- زيادة من ت ، أ ، وفي هـ : "الآية".
[14068]:- في أ : و "قوله".
[14069]:- زيادة من ت ، أ.
[14070]:- في ت : "ينظروا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ فِي اخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتّقُونَ } .

يقول تعالى ذكره منبها عباده على موضع الدلالة على ربوبيته وأنه خالق كلّ ما دونه . إن في اعتقاب الليل والنهار واعتقاب النهار الليل . إذا ذهب هذا جاء هذا وإذا جاء هذا ذهب هذا ، وفيما خلق الله في السماوات من الشمس والقمر والنجوم وفي الأرض من عجائب الخلق الدالة على أن لها صانعا ليس كمثله شيء ، لاَيَاتٍ يقول لأدلة وحججا وأعلاما واضحة لقوم يتقون الله ، فيخافون وعيده ويخشون عقابه على إخلاص العبادة لربهم .

فإن قال قائل : أو لا دلالة فيما خلق الله فِي السماوات والأرض على صانعه إلا لمن اتقى الله ؟ قيل : في ذلك الدلالة الواضحة على صانعه لكلّ من صحت فطرته ، وبريء من العاهات قلبه ، ولم يقصد بذلك الخبر عن أن فيه الدلالة لمن كان قد أشعر نفسه تقوى الله ، وإنما معناه : إن في ذلك لاَيات لمن اتقى عقاب الله فلم يحمله هواه على خلاف ما وضح له من الحقّ ، لأن ذلك يدلّ كلّ ذي فطرة صحيحة على أن له مدبرا يستحقّ عليه الإذعان له بالعبودة دون ما سواه من الاَلهة والأنداد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

{ إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض } من أنواع الكائنات . { لآيات } على وجود الصناع ووحدته وكمال علمه وقدرته . { لقوم يتقون } العواقب فإنه يحملهم على التفكر والتدبر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ} (6)

وقوله تعالى { إن في اختلاف الليل والنهار } الآية ، آية اعتبار وتنبيه ، ولفظه الاختلاف تعم تعاقب الليل والنهار وكونهما خلفه وما يتعاورانه من الزيادة والنقص وغير ذلك من لواحق سير الشمس وبحسب أقطار الأرض ، قوله { وما خلق الله في السماوات والأرض } لفظ عام لجميع المخلوقات ، و «الآيات » العلامات والدلائل ، وخصص «القوم المتقين » تشريفاً لهم إذ الاعتبار فيهم يقع ونسبتهم إلى هذه الأشياء المنظور فيها أفضل من نسبة من لم يهتد ولا اتقى .