تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ} (3)

وأقام تعالى الأدلة على تلك الدار وأذاق العباد نموذجا من الثواب والعقاب العاجل ليكون أدعى لهم إلى طلب المحبوب والهرب من المرهوب ، ولهذا قال هنا : { مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقّ } أي : لا عبثا ولا سدى بل ليعرف العباد عظمة خالقهما ويستدلوا على كماله ويعلموا أن الذي خلقهما على عظمهما قادر على أن يعيد العباد بعد موتهم للجزاء وأن خلقهما وبقاءهما مقدر إلى { أَجَلٍ مُسَمًّى }

فلما أخبر بذلك -وهو أصدق القائلين وأقام الدليل وأنار السبيل أخبر -مع ذلك- أن طائفة من الخلق قد أبوا إلا إعراضا عن الحق ، وصدوفا عن دعوة الرسل فقال : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ } وأما الذين آمنوا فلما علموا حقيقة الحال قبلوا وصايا ربهم ، وتلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالانقياد والتعظيم ففازوا بكل خير ، واندفع عنهم كل شر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ} (3)

ثم بين - سبحانه - أنه لم يخلق هذا الكون عبثا ، فقال : { مَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق وَأَجَلٍ مُّسَمًّى . . . } .

وقوله : { إِلاَّ بالحق } استثناء مفرغ من أهم الأحوال ، وهو صفة لمصدر محذوف ، وقوله : { وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } معطوف على " الحق " والكلام على تقدير مضاف محذوف .

أى : ما خلقنا هذا الكون بسمائه وأرضه وما بينهما من مخلوقات لا يعلمها إلا الله ، ما خلقنا كل ذلك إلا خلقنا ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل وبالحكمة التى اقتضتها إرادتنا ومشيئتنا .

وما خلقنا كل ذلك - أيضا - إلا بتقدير أجل معين ، هو يوم القيامة الذى تفنى عنده جميع المخلوقات .

فالمراد بالأجل المسمى : يوم القيامة الذى ينتهى عنده آجال الناس ، ويقفون بين يديى الله - تعالى - للحساب والجزاء .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار } وقوله - سبحانه - : { وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بالحق ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ثم بين - سبحانه - موقف المشركين من خالقهم فقال : { والذين كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } . والإِنذار : الإِعلام المقترن بتهديد ، فكل إنذار إعلام ، وليس كل إعلام إنذار .

و " ما " فى قوله : { عَمَّآ أُنذِرُواْ } يصح أن تكون موصولة والعائد محذوف ، ويصح أن تكون مصدرية .

والإِعراض عن الشئ : الصدود عنه ، وعدم الإِقبال عليه ، وأصله من العُرْ - ضبضم العين - وهو الجانب ، لأن المعرض عن الشئ يعطيه جانب عنقه ، مبتعدا عنه .

أى : نحن الذين خلقنا بقدرتنا وحكمتنا ، السماوات والأرض وما بينهما ، بالحق الذى اقتضته مشيئتنا ، وبتقدير أمد معين ، عند انتهائه { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات } ومع كل هذه الدلائل الساطعة الدالة على واحدانيتنا وقدرتنا ، فالذين كفروا بالحق ، عن الذى أنذروه من الحساب والجزاء معرضون ، وفى طغيانهم يعمهون .

فالآية الكريمة قد وضحت أن هذا الكون لم يخلقه الله - تعالى - عبثا ، وأن لهذا الكون نهاية ينتهى عندها ، وأن الكافرين - لجهلهم وعنادهم - لم يستجيبوا لمن دعاهم إلى إخلاص العبادة لله الواحد القهار ، ولم يستعدوا لاستقبال يوم القيامة بالإِيمان والعمل الصالح .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ} (3)

ثم قال : { مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ } أي : لا على وجه العبث والباطل ، { وَأَجَلٌ مُسَمًّى } أي : إلى مدة معينة مضروبة لا تزيد ولا تنقص .

قوله : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ } أي : لاهون{[26374]} عما يراد بهم ، وقد أنزل إليهم كتابا وأرسل إليهم رسول ، وهم معرضون عن ذلك كله ، أي : وسيعلمون غبّ ذلك .


[26374]:- (1) في ت، م، أ: "لاهين".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ} (3)

وقوله : ما خَلَقْنا السّمَوَاتِ والأرْضَ وَما بَيْنَهُما إلاّ بالحَقّ يقول تعالى ذكره : ما أحدثنا السموات والأرض فأوجدناهما خلقا مصنوعا ، وما بينهما من أصناف العالم إلا بالحقّ ، يعني : إلا لإقامة الحقّ والعدل في الخلق .

وقوله : وأجَلٍ مُسَمّى يقول : وإلاّ بأجل لكل ذلك معلوم عنده يفنيه إذا هو بلغه ، ويعدمه بعد أن كان موجودا بإيجاده إياه .

وقوله : وَالّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ يقول تعالى ذكره : والذين جحدوا وحدانية الله عن إنذار الله إياهم معرضون ، لا يتعظون به ، ولا يتفكرون فيعتبرون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ} (3)

{ ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } إلا خلقا ملتبسا بالحق وهو ما تقتضيه الحكمة والمعدلة ، وفيه دلالة على وجود الصانع الحكيم ، والبعث للمجازاة على ما قررناه مرارا . { وأجل مسمى } وبتقدير أجل مسمى ينتهي إليه الكل وهو يوم القيامة ، أو كل واحد وهو آخر مدة بقائه المقدرة له . { والذين كفروا عما أنذروا } من هول ذلك الوقت ، ويجوز أن تكون " ما " مصدرية . { معرضون } لا يتفكرون فيه ولا يستعدون لحلوله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ} (3)

وقوله : { ما خلقنا السماوات } الآية موعظة وزجر ، أي فانتبهوا أيها الناس وانظروا ما يراد بكم ولم خلقتم . وقوله تعالى : { إلا بالحق } معناه بالواجب الحسن الذي قد حق أن يكون ، وب { أجل مسمى } : وقتناه وجعلناه موعداً لفساد هذه البنية وذلك هو يوم القيامة . وقوله تعالى : { عما أُنذروا } «ما » مصدرية ، والمعنى عن الإنذار ، ويحتمل أن تكون «ما » بمعنى الذي ، والتقدير : عن ذكر الذي أنذروا به والتحفظ منه أو نحو هذا .