تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ} (124)

إذ تقول يا محمد للمؤمنين يوم بدر مبشرا لهم بالنصر { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا } أي : من مقصدهم هذا ، وهو وقعة بدر { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } أي : معلمين بعلامة الشجعان ، فشرط الله لإمدادهم ثلاثة شروط : الصبر ، والتقوى ، وإتيان المشركين من فورهم هذا ، فهذا الوعد بإنزال الملائكة المذكورين وإمدادهم بهم ، وأما وعد النصر وقمع كيد الأعداء فشرط الله له الشرطين الأولين كما تقدم في قوله : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ} (124)

ثم ذكرهم - سبحانه - بما كان يوجهه إليهم النبى صلى الله عليه وسلم من توجيهات سامية ، وإرشادات نافعة فقال - تعالى - : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الملائكة مُنزَلِينَ } .

قال ابن كثير : اختلف المفسرون فى هذا الوعد هل كان يوم بدر أو يوم أحد على قولين ؟ أحدهما : أن قوله - تعالى - : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ } متعلق بقوله { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ } ، وهذا عن الحسن والشعبى والربيع بن أنس وغيرهم .

فعن الحسن فى قوله : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ } . . . إلخ قال : هذا يوم بدر . وعن الشعبى : أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يريد أن يمد المشركين - برجال وسلاح - فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله - تعالى - : { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الملائكة } إلى قوله : { مُسَوِّمِينَ } قال : فبلغت كرزاً الهزيمة فلم يمد المشركين .

وقال الربيع بن أنس : أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا بخمسة آلاف .

فإن قيل فكيف الجمع بين هذه الآية على هذا القول وبين قوله فى قصة بدر { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ . . } إلى قوله : { إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فالجواب : أن التنصيص على الألف ههنا لا ينافى الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله - تعالى - : ( مُرْدِفِينَ ) بمعنى غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم .

وهذا السياق شبيه بالسياق في سورة آل عمران ، فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان ببدر .

والقول الثاني يرى أصحابه أن هذا الوعد متعلق بقوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ المؤمنين مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } وذلك يوم أحد . وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك وغيرهم . لكن قالوا : لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف ، لأن المسلمين يومئذ فروا . وزاد عكرمة : ولا بالثلاثة الآلاف

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ} (124)

اختلف المفسرون في هذا الوعد : هل كان يوم بَدْر أو يوم أُحُد ؟ على قولين :

أحدهما : أن قوله : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ } متعلق بقوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ } ورُوي هذا عن الحسن البصري ، وعامر الشعبي ، والرَّبِيع بن أنس ، وغيرهم . واختاره ابن جرير .

قال عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ } قال : هذا يوم بَدْر . رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال :

حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وُهَيْب عن داود ، عن عامر - يعني الشعبي - أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كُرْز بن جابر يُمدّ المشركين ، فشق ذلك عليهم ، فأنزل الله : { أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنزلِينَ } إلى قوله : { مُسَوِّمِين } قال : فبلغت كُرْزًا الهزيمة ، فلم يمد المشركين ولم يمد الله المسلمين بالخمسة .

وقال الرَّبِيع بن أنس : أمد الله المسلمين بألف ، ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف .

فإن قيل : فما الجمع بين هذه الآية - على هذا القول - وبين قوله تعالى في قصة بدر : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ] {[5642]} إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال : 9 ، 10 ] فالجواب : أن التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها ، لقوله : { مُردِفِينَ } بمعنى يَرْدَفُهم غيرُهم ويَتْبَعهم ألوف أخر مثلهم . وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران . فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر ، والله أعلم ، قال سعيد بن أبي عَرُوبَة ، عن قتادة : أمد الله المؤمنين يوم بدر بخمسة آلاف .

القول الثاني : أن هذا الوعد متَعَلق{[5643]} بقوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } وذلك يوم أحُد . وهو قول مجاهد ، وعِكْرِمة ، والضَّحَّاك ، والزهري ، وموسى بن عُقبة وغيرهم . لكن قالوا : لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف ؛ لأن المسلمين فرّوا يومئذ - زاد عكرمة : ولا بالثلاثة الآلاف ؛ لقوله : { بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا } فلم يصبروا ، بل فروا ، فلم يمدوا بملك واحد .


[5642]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "إلى قوله".
[5643]:في أ: "يتعلق".