تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (76)

{ 76 ْ } { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ْ }

أي : { قُلْ ْ } لهم أيها الرسول : { أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ْ } من المخلوقين الفقراء المحتاجين ، { ما لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ْ } وتدعون من انفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع ، { وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ْ } لجميع الأصوات باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات .

{ الْعَلِيمُ ْ } بالظواهر والبواطن ، والغيب والشهادة ، والأمور الماضية والمستقبلة ، فالكامل تعالى الذي هذه أوصافه هو الذي يستحق أن يفرد بجميع أنواع العبادة ، ويخلص له الدين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (76)

ثم تابع - سبحانه - حديثه عن ضلال أهل الكتاب وجهالتهم فأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم على عنادهم وغفلتهم وأن يواصل دعوتهم إلى الدين الحق فقال - تعالى :

{ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ . . . }

الاستفهام في قوله { أَتَعْبُدُونَ } لإِنكار واقعهم والتعجيب مما وقع منهم ، وتوبيخهم على جهلهم وغفلتهم .

و { ما } في قوله { مَا لاَ يَمْلِكُ } يجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي وأن تكون نكرة موصوفة . والجملة بعدها صلة فلا محل لها أو صفة فمحلها النصب .

وقوله { يملك } من الملك بمعنى حيازة الشيء والتمكن من التصرف فيه بدون عجز .

والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء الضالين من النصارى وأشباههم في الكفر ولاشرك قل لهم : أتعبدون معبودات غير الله - تعالى - هذه المعبودات لا تملك أن تصيبكم بشيء من الضرر كالمرض والفقر ، ولا تملك أيضاً أن تنفعكم بشيء من النفع كبسط الرزق ودفع الضرر وغير ذلك مما أنتم في حاجة إليه .

فالمراد بما لا يملك : كل ما عبد من دون الله من حجر أو وثن أو غيرهما فتكون " ما " للعموم وليست كناية عن عيسى وأمه فحسب .

وقد سار على هذا المعنى ابن كثير فقال : يقول - تعالى - منكراً على من عبد غيره من الأصنام والأوثان والأنداد ، ومبينا له أنها لا تستحق شيئاً من الألوهية فقال - تعالى - { قُلْ } أي : يا محمد لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بني آدم ودخل في ذلك النصارى وغيرهم { أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } .

ويرى كثير من المفسرين أن المراد بقوله : { مَا لاَ يَمْلِكُ } عيسى - عليه السلام - أو هو وأمه لأن الكلام مع النصارى الذين قال بعضهم : إن الله هو المسيح ابن مريم . وقال آخرون منهم : إن الله ثالث ثلاثة ، فتكون الآية دليلا آخر - بعد الأدلة السابقة - على فساد أقوال النصارى في عيسى وأمه مريم .

والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء النصارى أتعبدون - من دون الله - عيسى وأمه وهما لا يستطيعان أن يضراكم بشيء من الضرر في الأنفس والأموال ، ولا أن ينفعاكم بشيء من النفع كإيجاد الصحة والخصب والسعة ، لأن الضر والنفع من الله وحده وكل ما يستطيعه البشر من المضار أو المنافع هو بتمكين الله لهم وليس بقدرتهم الذاتية .

وأوثرت " ما " على " من " لتحقيق ما هو المراد من كونهما بمعزل من الألوهية رأسا ، ببيان انتظامهما في مسلك الأشياء التي لا قدرة لها على شيء ألا ولا شك أن من صفات الرب أن يكون قادراً على كل شيء ، فقول النصارى بأن الله هو المسيح ابن مريم أو هو ثالث ثلاثة ، قال ظاهر البطلان واضح الفساد .

وعلى كلا القوالين فالآية الكريمة تنفي أن يكون هناك إله سوى الله - تعالى - يستحق العبادة والخضوع ، لأنه - سبحانه - هو المالك لكل شيء ، والخالق لكل شيء

{ أَلاَ لَهُ الخلق والأمر تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين } وقدم - سبحانه - الضر على النفع فقال : { مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } لأن النفوس أشد تطلعا إلى دفعة من تطلعها إلى جلب الخير ، ولأنهم كانوا يبعدون غير الله - تعالى - وهمهم الأكبر أن هذا المعبود يستطيع أن يقربهم إلى الله زلفى ، وأن يمنع عنهم المصائب والأضرار .

وقوله : { والله هُوَ السميع العليم } في محل نصب على الحال . من فاعل { أَتَعْبُدُونَ } أي أتعبدون آلهة سوى الله لا تملك ضرركم أو نفعكم وتتركون عبادة الله والحال أن الله وحده هو السميع لكل ما تنطقون به ، العليم بجميع أحوالكم وأعمالكم ، وسيحاسبكم على ذلك وسيجازيكم على أقوالكم الباطلة وعقائدكم الزائفة ، بما تستحقون من عذاب أليم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (76)

يقول تعالى منكرًا على من عبد غيره من الأصنام والأنداد والأوثان ، ومبينًا له أنها لا تستحق شيئًا من الإلهية : { قُلْ } أي : يا محمد لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بني آدم ، ودخل في ذلك النصارى وغيرهم : { أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا } أي : لا يقدر على إيصال ضرر{[10153]} إليكم ، ولا إيجاد نفع { وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }{[10154]} أي : فلم{[10155]} عدلتم عن إفراد السميع لأقوال عباده ، العليم بكل شيء إلى عبادة جَمَاد لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئًا ، ولا يملك ضرًا ولا نفعًا لغيره ولا لنفسه .


[10153]:في ر، أ: "ضر".
[10154]:في أ: "والله واسع عليم" وهو خطأ.
[10155]:في ا: "فلو".